السينيما الأمازيغية في المغرب: أزمة إبداع أم أزمة تنظيم ؟
بقلم محمد جواد سيفاو
تعد السينما الأمازيغية أحد المكونات الثقافية والفنية التي تعكس هوية وثقافة الشعب الأمازيغي في المغرب. ومع ذلك، تواجه هذه السينما تحديات عدة تعيق تطورها وازدهارها، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت المشكلة تكمن في أزمة إبداعية أم في أزمة تنظيمية. للعلم أن تستمد (السينما الأمازيغية) السائدة قوتها من الإرث الثقافي العريق للأمازيغ، الذين يحتفون بالطبيعة والأساطير والقصص الشعبية. هذه الجذور تمنح السينما الأمازيغية مادة خام غنية يمكن تحويلها إلى أعمال فنية ذات طابع عالمي. ومع ذلك، يظل السؤال المطروح حول سبب عدم تحقيق السينما الأمازيغية انتشارا يليق بهذه الثروة الثقافية.
تعاني العديد من الأفلام الأمازيغية من تكرار الموضوعات التقليدية دون محاولة ابتكار أساليب جديدة في السرد. وعلى الرغم من أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية، فإن الاعتماد المفرط على القصص الريفية التقليدية يحد من القدرة على جذب جمهور أوسع. كما أن ضعف البنية السينمائية غالبًا ما يظهر في الأعمال التي يفتقر فيها المخرجون والكتّاب إلى التكوين الأكاديمي والاحترافي في تقنيات السرد البصري والسيناريو، مما يؤدي إلى إنتاجات تتسم بالبساطة في الطرح وتعجز عن معالجة قضايا معاصرة بأسلوب سينمائي متجدد. بالإضافة إلى ذلك، يظهر غياب الجرأة الفنية كأحد التحديات الكبرى، إذ تتجنب السينما الأمازيغية غالبا الخوض في موضوعات شائكة أو تقديم رؤى فنية جديدة تخاطب المشاهد العالمي، مما يضعف من تأثيرها الثقافي.
وعلى الجانب التنظيمي، تفتقر السينما الأمازيغية إلى الدعم المالي الكافي من قبل المؤسسات الثقافية والحكومية، مما يجعل الإنتاج في معظم الأحيان يعتمد على موارد محدودة تؤثر سلبا على جودة الأعمال. كما تعاني هذه السينما من محدودية قنوات العرض والتوزيع، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، مما يجعل الوصول إلى الجمهور العريض تحديا كبيرا. وإلى جانب ذلك، يظهر ضعف المؤسسات الداعمة كعائق رئيسي أمام تطوير الصناعة، حيث تفتقد إلى هيئات مهنية قوية تدعم صناع الأفلام في تطوير مشاريعهم وتحقيق رؤية فنية واضحة.
لا يمكن فصل أزمة الإبداع عن أزمة التنظيم، إذ إن ضعف البنية التحتية وقلة الدعم المادي يعوقان تطوير أفكار جديدة وتنفيذها بجودة عالية. وفي الوقت نفسه، فإن غياب الإبداع يضعف من قدرة السينما الأمازيغية على إقناع المستثمرين والموزعين بجدوى دعمها. لمواجهة هذه الإشكاليات، ينبغي العمل على تعزيز التكوين السينمائي من خلال إنشاء مدارس ومعاهد متخصصة في السينما باللغة الأمازيغية، تهدف إلى تكوين جيل جديد من المخرجين والكتّاب المبدعين. كما يجب تطوير سياسات دعم فعالة تُخصص ميزانيات موجهة للإنتاج الأمازيغي مع التركيز على الجودة بدلاً من الكم. ومع التوسع في المنصات الرقمية، يمكن للسينما الأمازيغية الاستفادة من هذه القنوات للوصول إلى جمهور عالمي. وأخيرًا، يجب أن تنفتح السينما الأمازيغية على القضايا المعاصرة وتدمجها في سياقها الثقافي، مما يمنحها فرصة لإيصال رسائلها بأسلوب أكثر حداثة.
تتأرجح السينما الأمازيغية بين أزمة الإبداع وأزمة التنظيم، لكن الحل يكمن في معالجة الجانبين بشكل متكامل. ومن خلال الاستثمار في البنية التحتية السينمائية وتشجيع الإبداع الفني، يمكن للسينما الأمازيغية أن تجد طريقها نحو الريادة، لتصبح صوتا قويا يعبر عن ثقافة عريقة وينافس على الساحة العالمية.
محمد جواد سيفاو فاعل ثقافي وفني .
باحث في مجال الصناعة الثقافية والفنية