بقلم عبدالله بوشطارت
ذات يوم من أيام أكتوبر، في سنة 2001، داخل بناية عمالة خنيفرة، أثناء استعداد مجموعة من النخب الأمازيغية التي تم اختيارها بعناية، التوجه إلى أجدير لحضور مراسيم الخطاب الملكي حول الأمازيغية. طلب السيد حسن أوريد الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، اذاك، من استاذه السابق ومديره في المدرسة المولوية، السيد محمد شفيق أن يرتدي اللباس التقليدي كما جرت عليه العادة في البروتوكول، فرفض محمد شفيق ارتداءه. وحاول التلميذ النجيب، أوريد، إقناع استاذه الرزين، شفيق، وهو يمد له عمامته قائلا نحن الأمازيغ يجب علينا قبول بعض الشكليات لأننا نحتاج إلى المخزن لخدمة الأمازيغية وذوينا وخاصة من المهمشين. لكن شفيق تمسك برفضه مؤكدا له ” ليس نحن من يحتاج إلى المخزن، بل المخزن هو من يحتاج إلينا”.
اذا توقفنا عند كلام شفيق، وحاولنا إستعادته بصيغة سؤال، هل لازال المخزن في حاجة إلى الأمازيغ؟ أو بصيغة واضحة أكثر، هل يحتاج المخزن للامازيغية ؟
لا يسمح لنا المقام لعرض مسار طويل من العلاقة بين المخزن والامازيغ، وهي علاقة متشابكة يطبعها التفاعل والصراع والتوثر. وبالرغم من الصمت المقصود على طبيعة هذه العلاقة، لاسباب كثيرة ومتعددة، إلا أن الامازيغ، والامازيغية، قدموا خدمات كثيرة للمخزن، أو إن صح التعبير للدولة، ولكنها أريد لها للاسف أن تكون بمثل الخادمة اليتيمة التي تشتغل طوال اليوم، دون أن يتحدث عنها أحد ولا يعترف بها أحد…وحتى ان تحدثوا عنها فإنهم يتكلمون عنها غيابيا وبأفواههم وليس بفمها هي، حيث تسمح لهم الظروف لقول ما يشاءون أو يختارون من يتحدث باسمها ليقول كلاما لغوا لا فائدة منه….وهذا ما يحدث في الآونة الأخيرة حيث يقوم المخزن بانزال احزاب واطارات لكي تتحدث عن الأمازيغية لقطع الطريق على الذين يجب عليهم أن يتحدثون ويقولوا الحقيقة كاملة بدون تحريف ولا تصحيف…
لقد قامت الأمازيغية بدور تاريخي عظيم، في اعادة التوازن السياسي والاجتماعي للمغرب غداة الاستقلال، وجعلته يتفادى الدخول الى متاهات لا أحد كان يتصور مصيرها ولهيبها، فوقف الأمازيغ بمرجعيتهم الأمازيغية للحفاظ على خصوصيات المغرب المتجلية اساسا في التعددية والتنوع والاختلاف المتناغم، ضدا عن سياسة الحزب الوحيد الذي كان يخطط لها بعض السلفيين والقوميين المتشبعين بافكار غريبة عن المغرب التي زرعها فيهم الأب الروحي لطائفتهم شكيب ارسلان، وترسخت في نفوسهم أكثر حين نهلوا من كؤوس حزب البعث والاشتراكية القومية … فكادت سياسة الحزب الوحيد أن تخنق المجتمع المغربي ووصلت مداها إلى محاولة محاصرة المخزن نفسه من خلال توغلهم في دواليب الدولة والإدارة وسيطرتهم على جيش التحرير آنذاك…وكان ضحية هذا الصراع الشهيد عباس لمساعدي وآخرون لا يذكرهم التاريخ للأسف…
فكانت الأمازيغية هي الخلاص، وتجسد حضورها بشكل قوي في واجهة الصراع السياسي على السلطة، فضحت برموزها وزعمائها وبشبباها، كعدي واوبيهي ومن معه، وأمزيان وشهداء الريف، وحتى الباشا الكلاوي الذي نجحوا في أن لا يتكلم عنه أحد الى الأبد…
شخصيا لا اسمع للرواية التي ترسخت في الوعي الجمعي السياسي، بكون أن القصر هو الذي دفع بالامازيغ التحرك بعيد الاستقلال لضرب شوكة حزب الاستقلال، ولا يهمني ان كان الامر كذلك، بقدرما يجب أن نعطي الكثير من الأهمية إلى أن الأمازيغية كانت قضية سياسية وذات تموقع مهم في الصراع السياسي على أعلى مستوى، وفي لحظة دقيقية، حيث تتشكل ملامح الدولة العصرية…وذلك ما يزكي كلام شفيق بكون المخزن في حاجة إلى الأمازيغية….
نصل الآن إلى جوهر الكلام، وهو ماذا وقع للامازيغية بعد أن استرجع المخزن قوته وسلطاته بعد صراعه مع الحركة الوطنية واحزابها ؟
الذي حصل هو أن المخزن قام باعطاء بعض المنافع والمناصب المهمة للامازيغ الذي تقلبوا في الوزارات واستمتعوا بالجلوس على الكراسي في البرلمان والحكومة، وفي المقابل، تم تهميش الأمازيغية واقصاءها وابعادها من جميع السياسات العمومية، وتكثيف التعريب حيث تحالف المخزن مع الحركة الوطنية على المستوى الايديولوجي، وعملوا في العمق على ضرب كل أوجه التعدد الثقافي واللغوي بالمغرب، وتبنوا أحادية العروبة في جميع دواليب الدولة…ومن حيث لا يدرون، قادوا المغرب الى الكارثة بسبب سياسة التعريب الفاشلة التي جعلت المغرب بعد عقود يتذيل سلم التنمية البشرية، ويتزعم قائمة الدول الفاشلة في التعليم والثقافة والابتكار….كما قادت هذه السياسة الى تفشي ظاهرة الاسلام السياسي وارتفاع وثيرة التدين داخل المجتمع في مقابل انتشار الأمية والتخلف، مما أدى إلى ظهور جيوب حركات وتنظيمات السلفية المتشددة داخل الفئات الهشة من المجتمع…..
ويظهر، خلال السنوات الأخيرة، أمام تنامي الوعي الأمازيغي، أن المخزن يريد مجددا، استعمال الأمازيغ كدراع سياسي في الصراع الدائر حاليا، بعد أن استحوذ الإسلاميين على أغلب المقاعد في البرلمان والحكومة والمجالس الجهوية والترابية، عن طريق استغلالهم للانتخابات…ويبدو أن الأحزاب التي أريد لها مواجهة الإسلاميين تعاني من الفراغ الايديولوجي، ومن القاعدة الجماهيرية ذات الوعي السياسي والعدة الفكرية التي بواسطتها يمكن مقارعة الاسلاميين، علميا وسياسيا وايديولوجيا،،، على اعتبار أن اليسار الذي كان يقوم بهذا الدور ، اصبح هو الآخر منهكا ومنهزما امام التيارات الإسلامية الجارفة….
لقد اصبحت الرؤية الآن تتضح، وهي منع الأمازيغ من التكثل تنظيميا على برنامج سياسي واضح، عكس ماكان عليه الأمر غداة الاستقلال، حيث كان المخزن يدفع بتنظيم الأمازيغ في حزب سياسي،..لان الان ارتفعت وثيرة التعليم داخل المجتمع وأصبح الوعي الامازيغي مختلفا تماما على ماكان عليه سابقا، من خلال انتشار خطاب الحركة الامازيغية في الجامعات والمجتمع المدني والبوادي والمدن….ولكن في المقابل يريد المخزن أن تتجه الأطر والنخب الأمازيغية صوب الأحزاب التي وضعت في واجهة الصراع امام الإسلاميين لخلق نوع من التوازن…..
اذن، فالمخزن في حاجة إلى الأمازيغية داخليا لمواجهة الإسلاميين وتشديب الخطاب الامازيغي وتقليمه عبر ادماجه داخل احزاب لا مرجعية سياسية لها ولا مذهب، حتى لا يتمكن الأمازيغ في بلورة تنظيم سياسي وبرنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي، الذي يظهر أنه يتناقض مع برامج الأحزاب الأخرى التي تشجع على سرقة الاراضي ونهب الثروات …وخارجيا أيضا لأن الأمازيغية اصبحت الان قضية ذات أبعاد جيواستراتيجية قوية، إقليميا ودوليا….
اذا كانت النخب الأمازيغية التي تطمح الدخول تحت مظلة الأحزاب القائمة لخدمة القضية في جميع ابعادها…فعليها اولا ان تقنع نفسها بأنها ستعيد نفس مسارات سابقة، حتى يمكن لها اقناع الشعب بأنها ستدافع عن الأمازيغية داخل الدولة بدون برنامج سياسي أمازيغي متكامل….
مناقشة هذا المقال