حسن طارق : الدولة مهددة للأمن!
لأن الإرهاب خطرٌ كبير وحقيقي يتهدد بلادنا، وليس مجرد حجة صغيرة وسياسية يمكن أن تحُد من مناخ الحرية ومن جرأة الاحتجاج، ما كان يجب أن يتابع المرتضى إعمراشا بتهم من سجل قانون الإرهاب.
لأن مناهضة خطابات الكراهية والحقد والعنصرية كأساس حيوي داخل المعركة الشاملة ضد الإرهاب، واجب مدني ومهمة مُواطنة ومسؤولية رسمية، ما كان يجب أن «يُتَفَّهَ» مفهوم الإشادة بالإرهاب والتحريض عليه، وأن يُقحم عنوة وبشكل غير مقنع في حيثيات محاكمة شباب الفايسبوك، التي تحولت بحكم السياق إلى مجرد تفصيل إضافي في المعركة المقدسة للدولة ضد بنكيران.
لأن طريقة المتابعة وصيغة التكييف الجنائي، إبتعدت هنا عن تحقيق الهدف البيداغوجي المطلوب أمام شباب معروفة خياراتهم المرجعية والمذهبية، لتتحول الى ما يشبه محاكمة سياسية معلنة، ما كان لهذه المتابعة أن تحقق مقاصد المشرع، بقدر ما شوشت عليها.
لأن الاستعمال السياسوي لمُبرر الإرهاب من شأنه أن يضعف ثقة المجتمع في مصداقية الدولة -ثقة لا غنى لها عنها في المعركة ضد الإرهاب- ما كان لهذه المتابعات أن تتم.
غداً قد تكون التهديدات كبيرة والأخطار أقرب، تم قد يحدث أن تجد الدولة نفسها معزولة في حرب غير تقليدية ضد عدو غير مرئي، لا تُخاض دون دعم وتَفَهُم المواطنين وتعبئة المجتمعات. لذلك فإذا كان من باب «السماء فوقنا» أن الواقفين وراء هذه المتابعات لا يُعيرون اهتماما للدستور الجديد، ولا لحقوق الإنسان ولحرية التظاهر ولاستقلالية القضاء، فإن المؤسف أنهم بإقحام تُهَمٍ من قانون الإرهاب لا يبدو أنهم يُقدرون فعلياً حجم الخطر الإرهابي، ويغامرون بمصداقية الدولة كمؤتمنة مؤسساتية على تحصين الوطن من هذا الخطر.
تخوفي الكبير هنا هو أن تفضي مثل هذه المتابعات إلى عكس ما أرادت الانطلاق منه؛ أرادت أن تبدو كتعبير عن الحسم والحزم والصرامة مع كل خطاب يريد الإشادة أو تمجيد الأفعال الإرهابية، لكن شُبهة المحاكمة السياسية التي تطارد هذه المتابعات كظلٍ عنيدٍ، وإرهاصات المحاكمة غير العادلة التي أسهبت هيئات حقوق الإنسان في سردها، وعدم تناسب التكييف الجنائي/الإرهابي للمتابعة (في حالة شباب الفايسبوك)، وسياق المتابعتين الأولى في علاقة بطبيعة العلاقة بين الدولة و بنكيران، والثانية في علاقة بحراك الحسيمة … كلها قرائن من شأنها أن تسهم بالضبط في نوع من «تتفيه» المعركة ضد الإرهاب، و«تمييع» الجريمة الإرهابية في المخيال الجماعي للمغاربة، وهو ما من شأنه أن يُبْطل تدريجياً رد الفعل المجتمعي التلقائي، ويعطل منسوب التجاوب الشعبي السريع والناجع في مواجهة الظاهرة الإرهابية، مع وإلى جانب الدولة بأمنها وشرطتها وقضائها وأجهزتها.
إذا كان لا بد للدولة _في اطار هواجس الحنين السلطوي_من اختبار لهيبتها، بين الفينة والأخرى، فلتبحث، رجاءً، النيابة العامة عن لائحة اتهامات أخرى، بعيداً عن قضايا الإرهاب، حتى لا يكون الضرر مضاعفاً والإساءة مزدوجة: للحرية وللمعركة ضد الإرهاب.