حُمّى “الإنتخامات”،على حد قول المفقود المهدي المنجرة في أحد ندواته بأگادير،استعارت واشتدت،لُبّستْ الحملة أزهى ماأعِدّ لها من عتاد ايديولوجي لإستمالة الناخبين ولتخصيب اللّعبة.
كلّ الأحزاب اليوم،سواء التي حمولتها مشرقية أوغربيّة أوما بينهما، في شأن يُغنيها .
هي حملة،رغم تجديد عتادِها الإديولوجي المُستورد، وتلميع أدواتها الصّدئة،لن تقف أمام آليتَيْ زمن الرقمنة ومنابر التواصل الإجتماعي الشّبابيّ،بحيث المعلومة متوفّرة حتى التّخمة، و هي مُنتشرة بكل تعدد مصادرها ومراجعها، ولا فضل لأحد على ذلك يُذكر ،إلاّ للعِلم ، له الفضل في الحدّ من الإحتكار والتوزيع ،وفي منحها حسب المقدار والمزاج،وإن الواقع على ذلك شهيد.
بمعنى آخر أن شباب اليوم، الواعي والمتشبع بالقيم الكونية وبمدلولاتها،مُهيّأٌ لتلقّي كل الخطابات،مع غربلتها وتحليلها ونقدها،ومنها طبعا،الخطابات السياسية للنخب”السيّاسية”من “زعماء”و”شيوخ”ومُتطفلين ومُطبّلين.
بالأمس القريب،تمكن الحزب الحاكم لولايتين ممتتاليتين،تمكن من فرض سيطرته عدديّا وميدانيّا،إذ استطاع، بعد توظيفه للدين،بشكل ماكرٍ وكيْديّ،أن يحتل الصدارة ،مٌستغلا في ذلك الظاهرة التّدينة المنتشرة وسعَة فضاءات تصريفها وغرسها.
هذا الحزب ،الذي كثيرا ماتباهى بانتصاراته،أوقف وشيّد ورتّب إنجازه”الإنتخابي” على أكثاف شباب حركة 20 فبراير المناضلة، التي كان “شيخ”هذا الحزب من بين المساهمين الأشداء في وأدها وإطفاء بريقها.
هذا الإنجاز”العظيم””للحزب “الإسلامي” سيٌر له فتح أبواب السلطة ،الأبواب التي كانت موصدة على “مشروعه”الإخواني،وفي التمتع بنعيم الكراسي وبحرارتها ،لذلك،فهو الآن، غير مستعد ليراها تغلق على وجه وزرائه ومنظريه وعلّية حزبه .
يبدو أن الوقت حان ليقول الشباب كلمته ،فيما كان وَعَدَ به الحزب ، إبّان حملته الإنتخابية ،من محاربة الفساد وتقديم المفسدين إلى العدالة وتوقيف سياسة الريع،هذه الظواهر التي ازدادت حدّتها أفقيا وعموديا في ولايتيه،مما حول خطاب الحزب، وهو مرغم، من خطاب الوعد للعموم إلى خطاب الوعيد “للمخزن “ولقواعده الإنتخابية معا.
حزب الأحرار،المُراهَن عليه من قبُل من طرف “التقنقراط”،يُراهِن بدوره على أصوات أبناء القبائل الأمازيغية بشكل عام،وبشكل خاص على أبناء الحركة الأمازيغية،هذه المراهنة التي تنبني على الإنتماء المجالي وليس الثقافي، ل”زعيم”الحزب إلى منطقة سوس .
المنطقة، تُعدّ من بين المناطق المغربية التي أدّت ثمن مقاومتها المستعمر ونضالاتها للدفاع عن هُويتها وتاريخها وممتلكاتها،مما عرضها للتهميش ثم الإقصاء ومن تم سَنّ سياسة تهجير الطاقات والقبائل ،ذلك بتهجير أبنائها إلى الخارج، ثم بنزع أراضيها وتحويلها إلى غابة وفي التهييء الحالي في فتحها أمام المجهول و الدخيل.
إذا كانت ذاكرة منظري الحزب المعلوم ضعيفة،وهي أقرب إلى الصواب،فإن الذاكرة الجماعية للقبائل الأمازيغية قويّة وتتجدد باستمرار،مما يفيد أنها لن تنسى ماأشرف عليه”الزعيم”من اغتصاب أراضيها ومتتلكاتها، كمسؤول على قطاع وزاري مُهيمن ،ومما زاد في حجم ارتباك أمنها وقوانينها وأعرافها ومميزاتها،كما أنها لن تنسى مضمون خطاباته الإنخابية السابقة التي وعد فيها القبائل بوقف المِلك الغابوي وحصر الخنزير البري وتوفير سبل الإستقرار.
الأمل معقود عليك ياشباب الوطن ،في إنشاء أحزاب وطنية حقيقية،تبني ذواتِها من خلال هذه التربة المعطاء، ومن حَفْرٍ عِلمي في الذاكرة الجماعية الحبلى للوطن، ومن التجارب السياسية العريقة التي احتضنها،و التي أعْلت من كرامة الإنسان واحتفظت على حياته وحصّنت الحقوق الجماعية قبل الفردية ،بحيث، أتبث المنتظم الدولي اليوم، رُقيها وتقدمها وإنسيتها وأفُقها الواعد.
محمد جوهري،فاعل جمعوي.
مناقشة هذا المقال