لم تستطع الدولة المغربية إخراج اللغة الفرنسية التي جاء بها الفرنسيون. بل أخذت وظائف مهمة واستفادت من دعم الدولة السياسي والمادي، فقد صرّح الملك الحسن الثاني قائلا: “يجب أن نُنظم ثقافتنا وتعليمنا حسبما هو ضروري وأن نُصلح ما هو واجب الإصلاح من أجل استعمال أداة قادرة على تشكيل أولادنا الذين يأملون بفضلها أن يصبحوا مواطنين في بلدهم وفي قارتهم التي لا تتكلم العربية، فنحن نعيش في قارة تتحدث الإنجليزية والفرنسية”.
تصريح مثير لأنه يشهد على الأمل في أن التخلف اللغوي يمكن التغلب عليه عن طريق نشر اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وهذا يتناقض تناقضا حادا مع فكرة “التعريب” . ما السرّ وراء الهروب للُغات عالمية، هل هو الحاجة إلى لغة قوية مهيمنة؟ أم غياب لغة محلية وطنية مشتركة قادرة على أداء تلك الوظائف المطلوبة؟
لذلك اتسمت السياسات اللغوية بالتناقض والارتجال، فعند استقلال المغرب كانت الحكومة تستعمل الفرنسية في أداء وظائفها، وكان التحول من الفرنسية إلى العربية مهمة ثقيلة، لأنه لم يكن هناك نقص شديد في الموظفين فقط، بل لأن اللغة العربية نفسها فرضت مشكلات جدّية، حيث كان المطلوب هو استعمالها في وظائف لم تستعمل فيها من قبل .
لِحلّ هذه المعضلة عملت الدولة على تهيئة اللغة العربية نحويا ومعجميا وأسلوبيا . وضمنت لها حماية قانونية من خلال اختيارها لغة رسمية وحيدة منذ أول تجربة دستورية في المغرب سنة 1962، ومن خلال توفير تشريع لغوي ينظم الوظائف والمجالات التي تستخدَم فيها اللغة العربية. أما القضاء فقد اجتهد في تفعيل الطابع الرسمي للغة العربية، إلا أن أحكامه كانت مختلفة حدّ التناقض.
أمّا بخصوص اللغات الأخرى، فقد حافظت الدولة المغربية على أدوار مهمة للغة الفرنسية، وفتحت الباب للإسبانية والإنجليزية في الإعلام والتعليم والديبلوماسية. ولكنها لم تُحدد أي موقع واضح للغة الأمازيغية. بل بدأت هذه الأخيرة تفقد فضاءاتها ووظائفها التقليدية لأسباب متعددة، على رأسها تداعيات السياسات اللغوية الرسمية.
لقد تمّ التخلي عن اللغة الأمازيغية وتم إهمالها، وخرجت من مجال النجاعة. وتم وَصْمها بالتخلف وﭐتهام المدافعين عنها بزرْع الفتنة وبثّ التفرقة.
———
مقتطف من كتاب الأمازيغية في دولة الحق والقانون – ص 86-89…لكاتبه ذ الهمزاوي التيجاني.
مناقشة هذا المقال