عبدالله بوشطارت: دلالات أيام تيزنيت في أݣادير…
لا ريب في أن مبادرة تنظيم أيام إقليم تيزنيت بمدينة أݣادير، هي مبادرة نبيهة تكللت بنجاح مبهر، يحق للقيمين عليها بالتفاخر والاحتفال بها.
ومادام أنها في دورتها الأولى، وبهذا الزخم الكبير، فإنها تُعد مغامرة محفوفة بمخاطر كثيرة في حال ما فشلت في الوصول إلى المبتغى المنشود.
وعليه لابد من ابداء الرأي فما تبدى لي من ملاحظات وقراءات، بعد زيارة المعرض والاروقة، وبعد مشاركة في ندوة داخل رزمانة أنشطة هذه الأيام.
- من ناحية الفكرة، فهي ليست وليدة اللحظة، ولا هي بمستجد من ناحية الشكل أو الاهداف، فهي تسير في إطار ما يعرف بالأيام الثقافية التي دأب الطلبة بالجامعة على تنظيمها داخل الكلية أو خارجها في مدينة أكادير، كأيام طلبة ايت باعمران وطلبة السيحل او طلبة طاطا او طلبة زاكورة، وهي نمط جديد من التنظيمات الطلابية التي ظهرت على شكل تنسيقيات جهوية للطلاب بعد أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وظهور الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة التي فتحت المجال لهذه التنسيقيات بعد أن اعادت الاعتبار للثقافة الأمازيغية والتراث المحلية وشجعت الطلبة على الاعتزاز بهويتهم وابراز تجلياتها المتعددة. وبالتالي فتجربة الأيام الثقافية ذات الاهتمام بمناطق مسقط الرأس، هي انبثقت من الجامعة، واقتبسها الفاعل المنتخب والمؤسساتي في شخص المجلس الإقليمي لتيزنيت، وقام بصقلها ودعمها وتوسيعها بدعم مالي وبشري ولوجيستيكي ضخم، في إطار ما يلائم المؤسسات المنظمة ومهامها القانونية والتنظيمية، تحت شعار التسويق الترابي، وهو اقتباس دي جدوى أثمر الدورة الأولى لأيام تيزنيت في أكادير.
_ إن هذه الأيام التيزنيتية جاءت بعد أسابيع قليلة على تنظيم المبادرة الوطنية للجهوية بالمغرب، والتي عرفت نقاشات كثيرة، تدور كلها على نفس الرحى، وهو الفشل وعدم قدرة الدولة ومؤسساتها على سن سياسة جهوية حقيقة تستجيب للطموحات المنتظرة، واستنبطت أيام تيزنيت بعض شعاراتها من خطاب ونقاشات هذه المناظرة، ويظهر لنا أن هذه التظاهرة تطرح سؤالا استشكاليا يخص علاقة الإقليم بالجهة، فالمتتبع لما تم عرضه وتداوله في هذه الأيام، يجعلنا نتسائل من الأحق بالجهة تيزنيت أم أݣادير ؟ كما يطرح اشكالات كثيرة فيما يسمى بالتوازن الترابي والعدالة المجالية وحيوية العنصر البشري الذي لا تعيره الادارة الترابية أي اهتمام، وتعتبره عنصرا مستهدفا للتحكم والاخضاع وهو ما يفسره اشراف السلطة على التنمية. وهو أسلوب عتيق في الحّكم يشتغل به المخزن مع القبائل والأطراف.
_ تنظيم محكم ودقيق، عرف كثافة المحتوى، وتنوع العرض، بنظرة شمولية، تزاوج بين المنتوج الثقافي والفرجوي والمنتوج المحلي_ المجالي والمنتوج المعرفي، فالبرمجة غنية ومتنوعة وحرست على الانفتاح على جميع التجارب والقضايا التي تهم إقليم تيزنيت. من معرض المنتوجات الفلاحية والزراعية والندوات بمختلف المواضيع والاسئلة، وعرض التحف الثمينة والتراثية والتعريف بالاعلام، بالصور والملصقات، والافلام..وهو ما يدل على ان جهدا مظنيا وكبيرا بذل في الاعداد والتواصل والاقناع، وكانت من بين ثماره اقناع السيد اغوليد بعرض بعضا من كنوز متحفه الضخم والغني بالمعرض، بطريقة احترافية غاية في الدقة والانبهار، وكان متحف أغوليد منارة مشعة داخل هذه الايام ومن بين علامات نجاحها، بما يعرف به هذا المناضل المهووس بالتراث الامازيغي في كل تجلياته، بحزم وجدية وعمل مستمر ومتواصل. وبما أنني اطلعت على بعض مما يكتنزه متحف أغوليد في تيزنيت، فيمكن اعتباره الأول والاغنى المتاحف الخاصة وحتى العامة بالمغرب.
_ مؤشرات نجاح تيزنيت، تتجلى في أروقة التعاونيات والجمعيات العارضة للمنتوج المحلي، فحسب الذين التقيت بهم، صرحوا أنهم تمكنوا ببيع كميات كبيرة من المنتوجات، والبعض منهم، نفذ منتوجه والتجأ الى جلب المزيد من مقر تعاونياتهم بمناطق مختلفة بالاقليم، و(العهدة على مايوقولون). وقد ساعد على هذا النجاح في التسويق الاختيار الصائب لزمن تنظيم الأيام، الذي تصادف مع العطلة المدرسية، واختيار الموقع الذي هو عبارة عن ممر استراتيجي وسط مدينة أكادير، وهو ممر آيت سوس الذي يقع فيه المتحف البلدي الامازيغي. وكذلك قوة التنظيم والاشهار الكبير الذي واكب الايام عبر اليافطات الكبرى والملصقات التي تم تثبيتها على المدارات والشوارع الكبرى بمختلف مناطق أكادير الكبير. وهذه اشياء ومعطيات تزيد من جذب الزائر الذي ينبهر بحسن التنظيم وتزداد فيه جرعات المصداقية ويقتنع بشراء المعروض عكس بعض المعارض التي تكتفي بالعرض التجاري الذي لا يخفي اطماعه الاقتصادية والتجارية المحضة. ونفس الشيء على المستوى السياحي، فقد صرح بعض السياح الأجانب انهم برمجوا زيارة الصويرة، وبعد مشاهدتهم لما تم عرضه في هذه التظاهرة غيروا موقفهم نحو زيارة تيزنيت وأحوازها .
_ كل هذا الزخم والتنوع، لا يخفي بعض التوجسات والملاحظات، خاصة في طغيان الاهتمام وابراز عنصر من العناصر، بعدم ادراج صور وتعريفات بشخصيات وأعلام كثيرة اعطت الشيء الكثير للمعرفة والنبوغ في الإقليم، لاسيما في دائرة أنزي وأحواز أكلو ومناطق ايداوسملال وايداكوكمار، وتيزنيت المدينة، وتغييب الاهتمام لإمارة تازروالت، ومؤسسي بعض الزوايا والطرق الصوفية، والميول إلى ابراز الشخصيات التي اشتغلت داخل دواليب المخزن، والذين تقلدوا مناصب سياسية في وقت من الأوقات، وهو توجس حاضر بقوة، من التاريخ السياسي الزاخر والغني للمنطقة….صحيح أنه لا يمكن التعريف والاحتفال بجميع الاعلام نظرا لكثرتها ولكن الاختيار الذي وقع على بعض الشخصيات يعبر عن الخط السياسي للمنظمين. كما أن روح هذه المبادرة يساعد على تفكيك الارتباط بالقبائل واضمحلال اسمائها وحدودها، وتعويضها بمؤسسات حديثة كالجماعات الترابية والجمعيات والتعاونيات، وهي وإن اصبحت منتشرة في كل مكان الا أنها تزكي الإنتهازية والوصولية والفردانية وتقضي على قيم الانتماء والروح الجماعية،
_ هذا الزحف لتيزنيت نحو اݣادير، لا يخفي الصراع السياسي الدائر حاليا في سوس، بين حزبان سياسيان يتقاسمان أوجه كثيرة، أولها أن كلاهما يتزعمه أمين عام ينحدر من تافراوت، (أي إقليم تيزنيت) زعيم حزب العدالة والتنمية وزعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، وهما معا ينتميان الى الأغلبية الحكومية ويتنافسان على رئاسة الحكومة المقبلة، وسيشتد الصراع بينهما في سوس الذي يسيطر عليه حاليا حزب الإسلاميين بشكل شبه مطلق. أيام تيزنيت في أݣادير تدخل في طيات هذا الصراع، وتعطي مؤشرات على أن الأحرار أرسى نموذجه التنموي والانتخابي في تيزنيت ويضطلع إلى مبارزة البيجدي في ساحة آيت سوس انطلاقا من أݣادير. وأيام تيزنيت هاته يرسل منها حزب الاحرار رسائل مشفرة، إلى حزب العدالة والتنمية في مجلس بلدية أكادير، الذي لم ينجح نهائيا في مهامه، وفشل فشلا ذريعا في إعادة وهج المدينة ليس فقط على مستوى التخطيط والبنيات والاستقطاب والتسويق وخلق فرص الاستثمار، وإنما أيضا في التواصل والتعبئة وانتاج افكار جديدة في التنظيم والفرجة لانعاش مدينة تزهر وتزخر بكل المؤهلات السياحية والثقافية، ولكن تعيش في سبات تنموي عميق وركود اقتصادي قاتل..
_ أيام تيزنيت لا تخفي أيضا النوازع الانتخابية والاستعراض السياسي المشروع للحزب الذي يقف وراء هذه المبادرة بشكل غير مباشر، التي رصدت لها كل عوامل وظروف النجاح، وذلك من خلال زيارة رئيس الحزب أخنوش للمعرض وحضوره لبعض فقرات التظاهرة، والحضور القوي لرئيس المجلس الإقليمي لتيزنيت، كشخصية سياسية تمزج بين الفكرة والسياسة، ويظهر على انه يمتاز بقوة كبيرة في الاستيعاب والاستقطاب، وله هامش أوسع للتحرك وقدرات قوية في التنظيم، ولم يعد طموحه يقتصر على المحلي والاقليمي، وإنما يضطلع إلى ما هو أكبر، ليفرض نفسه كبديل لرئاسة الجهة في المرحلة القادمة، وهي رسالة صريحة لبعض وجهاء اݣادير الملتحقين حديثا بحزب الأحرار الطامعين في خلافة الرئيس الحالي للجهة.
الخلاصة، هي أن تظاهرة تيزنيت، فضحت مسؤولي مدينة أݣادير الذين ساهموا في تفكيك هويتها وشخصيتها الثقافية، مما أدى إلى فقدانها للريادة الاقتصادية والسياحية، وأصبحت مدينة أݣادير شبيهة بمدينة الأشباح التي يسكنها البوم من شدة القنط والسكون، كما فتحت آفاقا أخرى على إقليم تيزنيت ليس فقط من المنظور التنموي الضيق، وإنما كورش مهم وضخم للبحث في شتى أصناف العلوم وضروب المناهج في علم الانسان والمجال والطبيعة والثقافة والديانات والاساطير والتراث وكمجالات الاشتغال على الفنون والتاريخ والسينما وغيره….
ع. بوشطارت