تأسست سنة 2015 الشبكة المغربية للمقاهي الثقافية وتضم الى حدود اليوم 35 مقهى ثقافيا. ويظهر من خلال هذه المبادرة الحاجة الملحة لتحويل المقهى لفضاء ثقافي بعد أن أصبح من أكثر الفضاءات استقطابا للمواطنين، بل إن البعض قد يقضي فيه الجزء الأهم من زمنه اليومي، على حساب زمن العمل والزمن المخصص للمنزل العائلي.
فالجلوس في المقهى لم يعد بالنسبة للبعض لحظة استثنائية لاحتساء كأس قهوى أو شرب شاي في دقائق معدودة، بل داخل هذا الفضاء قد تتخد قرارات مهمة من طرف السياسي، وتعقد اتفاقيات وصفقات من طرف رجال أعمال، ويستعد للإمتحان من طرف الطالب، وبالنسبة لمحبي كرة القدم، خاصة الغريمين ريال مدريد و برشلونة، فالمقاهي موزعة يوميا بين أنصار الفريقين، وقد تكون فضاء لمناوشات بين الطرفين.
وفي كل الحالات يأخذ المقهى الحيز الأكبر من وقت المواطن قد يستغله البعض للمطالعة والبعض الآخر لهدر الزمن أو “قتل الوقت” كما يقال في الدارجة المغربية. وبهذا يكون المقهى فضاء للتنشئة الاجتماعية له خطابه الخاص وسلوكاته المتميزة وعاداته التي تختلف حسب موقع المقهى وخصوصية المجال ثم طبيعة المرتادين وانتماءاتهم الاجتماعية.
وأمام قوة جاذبية المقاهي، التي يتنافس أصحابها في طبيعة الألوان المختارة والديزاين والكراسي، على حساب قاعات السينما المغلقة ودور الشباب المهجورة والمراكز الثقافية القليلة التي تضاف إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي أبعدت الشباب عن الكتاب والفعل الثقافي الجاد، فكر حاملوا الهم الثقافي في تقريب الثقافة من المواطنين عبر تحويل المقاهي إلى فضاءات ثقافية. أي بدل أن ينتقل المواطن من المقهى إلى المركز الثقافي حيث التواجد التقليدي للأنشطة الثقافية، سينتقل الفعل الثقافي من المنشأة الثقافية إلى المقهى حيث يتواجد المواطن، على أمل أن يتصالح الجميع مع الفعل الثقافي.
إلى جانب المقاهي الثقافية ظهرت أيضا الصالونات الأدبية التي تنظم داخل المنازل (أو الفيلات) الشخصية و يختلف مستواها ومضمونها وكذا طبيعة الحضور فيها باختلاف المسؤول عن الصالون وطبيعة علاقاته الاجتماعية وموقعه في شبكة العلاقات السياسية والاقتصادية محليا ووطنيا.
ويبقى السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بخصوص ظاهرة المقاهي الثقافية والصالونات الأدبية، على أهمية الفعل نفسه، هو “هل تعبر هذه الظاهرة عن بوادر فشل العمل الجمعوي المشترك بين مجموعة من الأفراد وصعوبات تدبير الخلافات بين الأشخاص، فبدأ تعويضها بالعمل الفردي، سواء في شكل مقهى ثقافي أو صالون أدبي؟
الحسين بويعقوبي
مناقشة هذا المقال