لم اطلع بعد على كتاب الأستاذ رشيد أيلال و المعنون ب”صحيح االبخاري : نهاية أسطورة”، لكن الأكيد أن الزوبعة التي سبقته وبداية منع المحاضرات حوله ستجعل الجميع يبحث عنه، فكل ممنوع مرغوب. وفي خضم متابعة ردود الفعل حول هذا الكتاب استمعت لمداخلة مصورة من 24 دقيقة على موقع اسلامي لأستاذ يبدوا من خلال النشيد الذي افتتح به الموقع أنه سيدافع عن أطروحة أخرى تدحض نتائج بحث رشيد أيلال بالحجة و البرهان.
وكم كانت خيبة أملي كبيرة بعد الاستماع للمداخلة كاملة حين وجدت أن “المحاضر” لم يتطرق و لو لفكرة واحدة من الكتاب و لم يستشهد ولو بجملة واحدة من مضمون الكتاب ولم يذكر و لو صفحة واحدة من صفحات الكتاب بل كان كلامه كله سب و شتم للمؤلف ومعه أساتذة آخرين كمصطفي بوهندي و أحمد عصيد اللذان لم ينجوا من سهام المدافع عن البخاري. وفي المقابل كان لهذه الكلمات (الملحد، الخبيث، العلماني،الجاهل،…) النصيب الأوفر في هذه الكلمة المصورة لوصف أساتذة ذنبهم الوحيد التعبير عن أفكار ونشرها بعد مجهود فكري لمحاولة اعادة قراءة جزء من تاريخ الاسلام، ينطبق عليه ما ينطبق على كل التواريخ من كتابة وتفسير و تأويل و اعادة تأويل حسب السياقات المختلفة والمعطيات المتوفرة في كل زمان و مكان. وعليه،فالتاريخ في نهاية المطاف ليس الا ما يكتبه المؤرخ في سياق عام يتحكم في طبيعة المعرفة المنتجة ولا يعني بالضرورة الوصول ل”الحقيقة” التي تبقى هذف كل باحث رغم اقتناعه بأن ما سيصل اليه لن يكون في نهاية المطاف الا قراءة من القراءات الممكنة للتاريخ.
ان تعويض النقاش بالسب والأفكار بالاتهامات دليل على ضعف حجج المعارضين لكل من يخالف القرءات الأرتدوكسية لتاريخ الاسلام و لذلك يبحثون عن “حجة القوة” بدل ” قوة الحجة” وهو ما جعل االبعض يصل لحد التهديد بالقتل و التصفية لا لشيء الا لأن الأخر عبر عن رأي مختلف يكسر الطابوهات ويحاول التحرر من سيطرة الأساطير.
من حسن حظ الجيل الحالي أن عاش في ظل الثورة الاعلامية التي توفر للجميع حق التعبير عن رأيه وتسمح للجميع بالاطلاع على الفكرة و نقيضها متحررين بذلك من سيطرة الفكر الواحد والقراءة الواحدة والتأويل الواحد للتاريخ و للنص الديني في علاقته بالتاريخ. فيكفي أن نعرف أن “صحيح البخاري” كتب بعد ما يقرب القرنين من وفاة الرسول لنكتشف حجم الهوة والفراغ بين الكاتب ومضمون كتابه (200 سنة) وحجم الأسئلة التي يمكن أن تطرح لكل من أعطى لعقله هامشا من “حرية التفكير” وتحرر من هيمنة الأساطير. فالاشكال هنا تاريخي محض ولا علاقة له بالايمان من عدمه. وعليه ف”البخاري” يحتاج اليوم لمدافعين من نوع آخر بعيدا عن منطق السب و الشتم الذي لا يزيد المخالفين الا قوة.
د. الحسين بويعقوبي انير.
الإعلانات
مناقشة هذا المقال