عبد الله الفرياضي
كشف الوعي السياسي المتنامي لقوميات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(وعلى رأسها القومية الكوردية والتركمانية والآشورية والمندائية والأرمنية والأمازيغية…) عن إفلاس تام للمشروع الهيمني / الإقصائي لتيار القومية العربية وبالتالي موته العملي.
لكن رغم ذلك، وللأسف الشديد، ما يزال بين ظهرانينا مثقفون وتنظيمات سياسية لم تتمكن بعد من استيعاب ومواكبة التحولات الجذرية التي شهدتها منطقتا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإنني أعجز تمام العجز عن فهم السلوك الغريب لأحزاب فدرالية اليسار المنعوت تجاوزا “بالديمقراطي” بالمغرب، حين قررت، وبكل وقاحة تاريخية، استضافة المؤتمر الأول لما سمي “بالجبهة العربية التقدمية” بمدينة طنجة نهاية الشهر الجاري تحت شعار مستوحى من أدبيات الأنظمة الإستبدادية لصدام حسين وجمال عبد الناصر ومعمر القذافي: “وحدة الشعوب العربية ضرورة تاريخية ورهان استراتيجي”!!
لست أدري إلى أي زمن سياسي ينتمي كل من نبيلة منيب وعبد السلام العزيز وعلي بوطوالة (وهم على التوالي الأمناء العامون للحزب الإشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الإتحادي وحزب الطليعة المشكلين لفدرالية اليسار). ألهذه الدرجة ليس فيهم “حكيم” يستطيع قراءة تحولات المشهد السياسي المتراكمة في مختلف الدول المغاربية؟
في ليبيا تابعنا جميعا كيف تصدت قوات “المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا” لميليشيات وعصابات الجنرال الدموي خليفة حفتر المسماة بالجيش العربي الليبي والمدعومة من طرف السعودية والإمارات، وهو للإشارة من آخر جنرالات نظام القذافي العروبي. كما تابعنا حركية الأمازيغ بذات الدولة إثر تأسيس أهم تنظيم سياسي يمثلهم وهو حزب “الليبو”/ ليبيا الأمة.
أما في تونس فلا تخطئ العين تنامي الوعي السياسي للأمازيغ بهذه الدولة المغاربية بشكل سريع منذ سقوط نظام بن علي، بدءا بتوالي تأسيس جمعيات هوياتية وثقافية وصولا إلى بلورة مشروع أول حزب سياسي أمازيغي تحت مسمى “حزب تيناست”.
من جهتهم كان أمازيغ الجزائر سباقين إلى الانتظام داخل تنظيمات حزبية أهمها “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” و”جبهة القوى الاشتراكية”. خصوصا بعد المساهمات الغنية لكل من “تنسيقية لعروش” و”حركة الحكم الذاتي للقبايل” وبقية التنظيمات المدنية في تطوير الخطاب السياسي لأمازيغ الجزائر.
مغربيا بدأ الوعي السياسي لدى الأمازيغ منذ مدة، حيث استفادوا من التراكم النضالي لمختلف التنظيمات المدنية التي خلفت بصمتها على الساحة الأمازيغية. حيث تابعنا توالي مشاريع تأسيس أحزاب أمازيغية. وذلك بدءا بالحزب الديمقراطي الأمازيغي مرورا بمشاريع “الحزب الفدرالي المغربي” و”حزب التجمع من أجل الحرية والديمقراطية” و”حزب الهوية والإبتكار”، وصولا اليوم إلى الحركية الهامة التي دشنتها مؤخرا اللجنة التحضيرية “لحزب تامونت للحريات”، والتي دخلت مرحلة العد العكسي لتنظيم المؤتمر التأسيسي لهذا الحزب. وهو ما يجعله مؤشرا هاما يأتي ليكمل الجزء الأخير من صورة التحولات الكبرى التي يعرفها المشهد السياسي المغاربي. تحولات تفيد من بين ما تفيده أن الأمازيغ هم قوة التغيير القادمة بدون منازع.
يبقى الفرق بيننا وبينهم أننا نؤمن بالتعددية الخلاقة بديلا عن منطق الإقصاء، نؤمن بالتغيير السلمي بديلا عن منطق الإكراه والإجبار، نؤمن بالمواطنة بديلا عن القومية العمياء.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي هيئة تحرير جريد وإنما تعبّر عن رأي صاحبها.
مناقشة هذا المقال