يمكن انتقاذ الحدث دون شيطنة أحد، فمعلوم أن لا أحد له الحق في أن يقول أنه الممثل الشرعي لديفيلي كرنفال بيلماون بودماون، وإذا اقتضى الأمر ضرورة ممثل شرعي، فيجب أن يكتسب هذه الشرعية شعبيا أي ديمقراطيا، أو يكون عليه الإجماع، الأمر الذي لا يتوفر لا في الجمعية ولا في اللجنة، ومستحيل إن يتوفر في أي كان لا لشيء إلا لأن الإختلاف ضرورة كونية، وبالتالي فمن البديهي أن يجمع كل مبادِر أصدقاءه وهذا جميل وصحي لما في ذلك من انسجام بين الأعضاء، لكن دائما دون الرغبة في إقصاء الآخرين…
أما في ما يخص ديفيلي الدشيرة، فألتزم الحياد في التعبير عن رأيي الذي لن تأخذ منه صداقتي مع المنظمين (الطرفين، الجمعية واللجنة ) ، أيَّ مأخذ،
ثانيا سيكون رأيي مبنيا على أفعال وتصريحات الطرفين لا على نواياهما …
وللإختصار ف اللجنة : هي اللجنة المحلية للحفاظ على موروث بيلماون
والجمعية : هي الجمعية الإقليمية لكرنفال بيلماون بودماون
سأبدأ بالوقت اللازم لتنظيم تظاهرة بهذا الحجم،
بالنسبة للجنة : فمن غير المنطقي أن تتخذ أسبوعا فقط للإستعداد لتظاهرة كبيرة تستقبل فيها مدينتنا مئات الآلاف من الزوار، لأن فيه تعريض الموروث للإتلاف، وكمشارك في الكرنفال أيام الطفولة بحي إرحالن فكانت تلزمنا على الأقل شهرين للإستعداد والإبداع في إنجاز اللوحات و الديكورات التي كنا نرتديها، هذا وكنا نمثل فقط فرقة من بين الفرق فما بالك باللجنة المنظمة التي يجب أن تتتبع كل مجموعة على حدى
أما بالنسبة للجمعية فهو العكس تماما، فمن خلال تسمية الجمعية يتضح جليا أنها أسست لا لشيء إلا لتنظيم هذه التظاهرة أي أن لها سنة كاملة للإستعداد، ليصل اليوم الثالث من عيد الأضحى دون إعلان يوم محدد للديفيلي، وربما هي من بين النقط التي استفزت الطرف الآخر ليقوم برد الفعل …
رد فعل تلاه رد فعل آخر وهو الإعلان عن الدورة السابعة دون تحديد التاريخ مرة أخرى والإكتفاء بعبارة “قريبا”
مسألة المكان
فحسب اللجنة، المكان الأصلي للديفيلي هو الشارع الرئيسي للدشيرة، وتغييره هو ضرب في صميم الموروث، فماذا لو لم يكن في إنزكان شارع كبير هل نُحول مساره إلى أكادير وإذا لم يتواجد في أكادير نذهب إلى مراكش؟؟! بينما يرى الطرف الآخر أي الجمعية الإقليمية أن الديفيلي اليوم أصبح(عالميا) ويستقطب عددا هائلا من الزوار يستحيل معه تنظيمه في شارع بئر أنزران نظرا لضيقه…
أما هاتين الحجتين، فكلتاهما فيهما من الصواب كما الخطأ… والإجتهاد لازم مادام المقترح ليس قرآنا منزلا… فربما يكون الشارع الرئيسي حلا إذا تمت إطالة المسار من مدار الأندلس إلى مدار لا بيركولا، أو حتى عدم التشبت بمسار أفقي إذا توفر مسار آخر يفي بالغرض، كالإنطلاق من خلف إعدادية فيصل بن عبد العزيز مرورا بشارع عمر الخيام إلى نهايته والإستمرار يسارا إلى مدار الأندلس والدخول آنذاك إلى الدشيرة وهذا سيخفف الضغط، حيث سيتم توزيع الجمهور على مسافة كبيرة
التنظيم
بالنسبة للجنة، فقد ارتكبت أخطاء من حيث التنظيم الشيء الذي أكده بعض الأعضاء أنفسهم، فمن البديهي أن يصير الديفيلي مكون من الكرنفال و الأمن و الجمهور أيضا حتى ظنها البعض في لحظة من اللحظات أنها مسيرة على حد قولهم، وذلك راجع بالدرجة الأولى إلى غياب ثقافة النظام لدى الجمهور وكذلك غياب الآليات اللوجيستيكية البسيطة لذلك، رغم أنه في السنوات الأولى للديفيلي كان ما يسمى بسلسلة بوجلود كفيلة بالتنظيم حيث كان عدد كبير من بيلماون يمسكون الأيادي مانعين بذلك دخول الجمهور لساحة العرض…
الإبداع.
أما الهدف من هذا المهرجان والذي هو الإبداع، فمنذ سنوات لم يرقى الديفيلي إلى تطلعاتنا من حيث المنتوج المقدم(كرنفال)، ما يجعلنا نرجع إلى الدورات الأولى للديفيلي أو حتى قبل سنة 2004 التي نظمت فيها الدورة الأولى ، حيث كانت الساحة الدشيراوية تعج بالإبداع علما أن الفرق المشاركة لم تكن تأخذ سنتيما واحدا من أي جهة، وكذلك دون الإنتماء لأي إطار، بل الأكثر من ذلك فلقد كان مُحارَبا من طرف المؤسسات مما جعل الموروث بعد ذلك يأخذ طابع المتمرد، ما يعطيه الحق في نظري لتمرير رسائل سياسية اليوم في ظل توفر حرية التعبير، أما ذاك الإبداع الجميل فكانت تُغديه تلك المنافسة الشريفة بين الأحياء آنذاك، والتي تُترجم في الأشكال الفنية التي يقدمها كل حي على حدى، فالكل يتذكر سفينة التايتانيك، وشخصيات الطبيب ،السعودي ، الجنود والهنود الحمر وما إلى ذلك،
أما اليوم ومع توفر الإمكانيات نسبيا، فمن المفروض أن يرتفع المستوى لا أن يتراجع إلى الحضيض مع الأسف،
وفي النقطة تشترك الجمعية واللجنة معا، غياب تااام للفرجة، فليس الإبداع أن تستقطب مجموعة من أفارقة جنوب الصحراء، لا يقدمون شيئا إلا قرع بعض الطبول، أو تسخير شاحنة لحمل أطفال يفترض أنهم حاملي كتاب الله!! أو من جهة أخرى مشاركة فرق الدقة المراكشية العصرية والباقي كله أصحاب المؤخرات العجيبة …
الديفيلي والسياسة
يمكن للفاعل السياسي إعطاء إضافة نوعية للموروث الثقافي كيفما كان نوعه، فالمنتخب من شأنه الرفع من جودة المنتوج الثقافي لأنه المالك للإمكانيات المادية، كما من شأنه تحطيمه وتكسيره أو على الأقل كبح طموحاته
نعود إلى حالة الدشيرة، فاللجنة كانت مكونة من فاعلين جمعويين وكذلك سياسيين، فنجد حزب الإستقلال ، الأصالة والمعاصرة، الأحرار و الإتحاد الإشتراكي و غير المنتمين أيضا وهذا الأمر صِحّي بالنسبة لي، فبتنافس الهيئات السياسية أولا يكون السخاء المادي، ثم ثانيا تسهل الإجراءات القانونية وينعكس ذلك ايجابا على التظاهرة، لكن وللأسف لم يظهر ذلك في الديفيلي الأخير، فهناك من تحدث عن ديفيلي بِصِفْر درهم… وهذا أمر مقلق في الحقيقة…
أما بالنسبة للجمعية الإقليمية وعلى حد علمي فمنتسبوها إما منتمون لحزب الأحرار أو غير منتمين و هذا من شأنه أن ينسب الكرنفال لحزب معين، يزدهر بازدهار الحزب ويموت بانقضاء فترة حكمه أو إشعاعه
التسويق والتواصل
مرت عقود على هذا الموروث، لكن ما يزال يتخبط في العشوائية ومرت خمسة عشر سنة على تنظيم أول ديفيلي، ونكاد نجزم أن نفس آليات التواصل لم تتغير، باستثناء إضافة الفايسبوك، في غياب تام لتسويق المنتوج الثقافي الفني بشكل جيد، فبالنسبة للجنة، وباستثناء صور هاوية، لم تتمكن من تزويد المتلقي خاصة الذي لم يحضر بصور احترافية جميلة تفتح بها شهيته ورغبته في زيارة التظاهرة في السنة المقبلة، فما بالك بأشياء أخرى
أما الجمعية والتي وصلت إلى دورتها السابعة، فلا نرى إلا فيديوهات عادية على اليوتوب بجودة لابأس بها، علما أنه وعلى حد علمي هناك دعم من عدة مؤسسات، فلماذا لم يتم الإستثمار في إخراج فيلم محترف يتم من خلاله التعريف بالموروث وتصوير الديفيلي بشكل إبداعي، ثم ترجمته لعدة لغات، وذلك من أجل، أولا، استقطاب عدد أكبر من الزوار من جميع أنحاء العالم، وثانيا لاستقطاب شركاء داعمين للمشروع، بعيدا عن ما يقوم به أغلب حاملي المشاريع الثقافية وهو التسول، في حين أن التظاهرة يمكن أن تُسوق و تُباع غاليا للقطاع الخاص لِما تستقطبه من مستهلكين لجميع المنتوجات وبأعداد هائلة،
لكن ومع كل هذا الأخذ والرد، فلا يمكن نكران أن هناك نقط مضيئة جدا ، كَوَفْرة المادة الخام، وكذلك اعتبار الدشيرة مرجعا لهذا الموروث الثقافي، وتوافد مئات الآلاف عليها خلال أيام العيد ، ما حرك الشباب الذين بادروا لإرجاعه لمكانه الأصلي على حد قناعاتهم… وآخرون نقلوه لمكان آخر بغية الرقي به وإرجاعه عالميا ، أيضا حسب بعض الأعضاء، حقيقة هذه ضمائر حية تبعث بالأمل
لكن ما أود أن أختم به هو ، عندما يكون الهدف نبيلا، والمتجسد في إحياء، تشجيع، تنمية، وتطوير تراث وطني لامادي (المتمثل في بيلماون بودماون)، قلت عندما يكون الهدف نبيلا، فعندئذ لا مجال للخلافات الضيقة، والنزاعات الشخصية، بل تستدعي اللحظة نكرانا تاما للذات، ونبذا للحزازات والصراعات الهدامة، وتستدعي اللحظة وحدة في المواقف وتوافقا في الرؤى، فالمتربصون بالتراث كثر (يسارا ويمينا)، وهم المستفيدون الوحيدون من هكذا صراعات بين أبناء المدينة الواحدة، والخاسر الأكبر هو موروثنا وكرامتنا *جميعا*. وأذكرك
بقولة لحمو الطالب الذاكرة الشعبية الامازيغية لدى اهل سوس الكبير :
*أورايخلو يان أيتماس إبنو تيقبيلين* .تأملوها رجاء.
مناقشة هذا المقال