قبل سنتين، في لقاء جمعني بالصدفة، مع مسؤول سياسي كبير، حاولت أن اغتنم الفرصة وافتح معه نقاش جانبي، سريع، حول منع الأمازيغ من ممارسة السياسة من منطلق مشروع سياسي/حزبي مستقل عن الأحزاب الموجودة، التي يطرحها المخزن لاستيعاب حساسية الحركة الامازيغية الصاعدة( هذا المسؤول السياسي كان يترأس احدى هذه الأحزاب)، قال كلاما، مبعثرا، ربما فاجئته بالسؤال، ولكن أتى ببعض من المختصر المفيد، وقال ما مفاده: “المشكلة أنكم تمارسون الشعارات ولا تمارسون السياسة”.
الحركة الأمازيغية، ربما هي الحركة الوحيدة بالمغرب التي تترافع ميدانيا وفكريا وجمعويا واعلاميا، خارج البنية الحزبية القائمة بالمغرب، سواء تعلق الأمر بالاحزاب الممثلة داخل البرلمان او التي خارجها وحتى التي لا تشارك في الانتخابات، وهي التي تمثل بعض التيارات اليسارية المعارضة الصغيرة. والحركة الأمازيغية، وهي كذلك، حققت مكاسب كثيرة جدا، في أقل من 20 سنة فقط…وهي الحركة الوحيدة التي انخرطت في كل الديناميات الإحتجاجية والسياسية التي طرأت في المغرب خلال العقدين الأخيرين، وساهمت مع قوى أخرى في التغيير السلمي، خاصة في انتفاضة حركة 20 فبراير، حيث لوحظ ظهور زعامات امازيغية ميدانية شابة في الكثير من المدن والجهات، بالرغم من أن الصحافة وسائل الاعلام تتعمد اظهار وتسليط الاضواء فقط على التيارات الإسلامية واليسارية، ويتفادون الحديث عن الشباب الامازيغي ودوره في قيادة الاحتجاجات والتعبئة…إلى أن ظهر حراك الريف بقيادة الشباب الامازيغي المقتنع بخطاب الحركة الامازيغية، خاصة بالجامعة…ومن المفيد التذكير أن الحركة الثقافية الأمازيغية، تسيطر تقريبا على كل الجامعات المغربية، وتؤطر الآلاف من المناضلين، خاصة في جامعة أكادير ومراكش ومكناس والراشدية ووجدة وتازة والناظور وتطوان، وطلابها يواجهون تيارات الانفصال التي يقودها طلبة منتمين الى الأقاليم الجنوبية وبعض الجيوب اليسار الماركسي المتطرف العنيف…
هل كل هذا يعتبر شعارات….؟
هل منطق السياسة هو ممارسة النفاق والابتزاز ؟
إن اكبر حركة تتوفر على معتقلين سياسيين اليوم في المغرب هي الحركة الامازيغية….أو بصيغة أخرى معتقلين سياسيين أمازيغ…. بالرغم من أن بعض الاحزاب تسعى جاهدة الى الركوب على قضية الريف وقضية المعتقلين، وتهدف إلى أن تظهر للدولة أن لها امتداد جماهيري وتؤطر الحراك والاحتجاجات في المدن والجهات، ولكن المسعى سيفشل، لأن الحراك قبل أن يكون بمطالب اقتصادية واجتماعية، فهو تمرد على هوية الأحزاب وايديولوجيتها الفتاكة، التي تهدف تفتيت هوية وخصوصية ولغة الريف….التي تنضوي تحت المنظومة الامازيغية. أما مفهوم الدكان السياسي فهو مفهوم خالص للادبيات وخطاب الحركة الثقافية الأمازيغية داخل الجامعة…..
الدولة وهي تنظر إلى الحركة الامازيغية، بكثير من الشك والانكار، موقف الدوائر الضيقة للقرار داخل الدولة، يبدو موقفها غامضا من الحركة الامازيغية، التي هي حركة نسبية وحداثية تؤمن حتى النخاع بتشبعها بمنظومة وثقافة حقوق الانسان كما هو متعارف عليها دوليا، والجمعيات الأمازيغية وكوادرها دائمة الحضور والترافع في المحافل الدولية، وتتفاعل مع جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي تدخل في إطار حماية حقوق الانسان بمختلف تجلياتها، وآخر تقرير للمفوضية الأممية لمحاربة كل أشكال الميز العنصري، التي حلت رئيستها الى المغرب واستمعت الى جمعيات امازيغية في كل المدن المغربية، واعدت تقريرا مميزا عن بقايا وبقع العنصرية التي لازالت تنتشر في مؤسسات الدولة والمجتمع تجاه الامازيغية. ومن المفيد الإشارة إلى أن الدولة المغربية وهي تحقق بعض الانفراج المحروس والمراقب على الحقوق الامازيغية، فإنها تفعل ذلك، استجابة للضغط الدولي عليها وبعض المؤسسات المانحة التي تراقب وضعية حقوق الامازيغ في المغرب، وخاصة التقارير السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية التي اصبحت تعطي المكانة والاهتمام اللازمين الأمازيغية في تقاريرها خلال السنوات الاخيرة، فالتقرير الأخير تحدثت وزارة ترامب على وضعية الأمازيغية اكثر من موضوع آخر…كما يمكن ان نسجل على الحركة الامازيغية بكونها الحركة والتيار الوحيد الذي لا يمارس النفاق السياسي وتمتلك جرأة كبيرة في التعبير عن مواقفها بكل وضوح بالرغم من حساسيتها كالموقف من القضايا الخارجية لاسيما قضية فلسطين التي مورس عليها استغلال مفضوح من طرف اليسار القومي والاسلاميين….
لا ننكر ان الوضع التنظيمي للحركة مترهل ومتردي، ينقصه المزيد من النضج والمزيد من البناء وترتيب الاولويات، ولكن زخم القضية وامتداداتها الجيوستراتيجية اصبح يتجاوز الفعل التنظيمي….فالدولة تعرف جيدا ان عصب الحركة هو الشباب المتخرج من الجامعات، الذين لازالوا يبحثون عن ابراز الذات اجتماعيا واقتصاديا، وأن الحركة وان تستقطب بعض الأطر داخل الطبقة المتوسطة، إلا انها لازالت بعيدة عن دوائر اصحاب المال والنفوذ الاقتصادي الذين ينحدرون في الغالب من اصول أمازيغية، وتخشى الدولة أن ينضموا الى الخطاب الامازيغي، وتعمل جاهدة الى استغلال ضعفها وجبنها وتورطها في الجمع بين الثروة والسياسة، لدفعها تمول مشاريع حزبية معينة، مغلفة في الظاهر بمجابهة الإسلاميين، ولكن في الخفاء هي تعبير عن تحالف سلطوي لاستدامة الاستغلال والحفاظ على المصالح المشتركة…اما مجابهة الإسلاميين فإنه عمل يتطلب التسلح بالفكر وتملك المعارف ومكانيزم النقاش والتحليل لتفكيك الخطاب الاسلاموي، ولا يحتاج الى الاموال ودعم السلطة، لإن ذلك سيؤدي إلى تقوية وتجدير افكار الاسلاميين الذين يستغلون ويلعبون على وثر الحرمان والاقصاء الاجتماعي….اما محاربة الإسلاميين فهو عمل نضالي شاق يقوم به فقراء الحركة الامازيغية دفاعا عن افكارهم النبيلة والدفاع عن الهوية الأمازيغية التي يستهدفها خطاب الاسلام السياسي المبني على العروبة وافكار اخوان المسلمون الهدامة للتعددية والاختلاف ….
وفي خضم هذا الصراع، لا يمكن ان يكون الامازيغ حطب جهنم، ولا اطفال الحروب، حيث تشتغل الحركة الامازيغية في الدفاع عن المشترك وقيم الحداثة والاختلاف في إطار الشعار الخالد ” الوحدة في التنوع”، بينما الدولة، أو جزء من الدولة، يقوم بتحييد الحركة الامازيغية في جميع المؤسسات والمجالس الوسيطة المعنية بمجالات حقوق الانسان والوسيط والإعلام السمعي البصري ومجلس الصحافة …وتعمل على تعيين تمثيلية الأحزاب واليسار والاسلاميين وابناء الأقاليم الجنوبية…
لماذا تستمر الدولة في اقصاء الأمازيغ من التمثيلية داخل المؤسسات الوسيطة، وهم منارة الاختلاف وحراس التعددية الثقافية والمجالية بالمغرب…الوطن للجميع…ع. بوشطارت.
مناقشة هذا المقال