Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

بمناسبة حفل التسامح بأكادير: هل نحن متسامحون؟

الحسين بويعقوبي

    من دواعي طرح هذا السؤال النقاش الذي يفتح حول قيمة التسامح كلما نظمت السهرة الدولية الكبرى على شاطئ أكادير في ما بات يعرف بسهرة “التسامح”. لا أحد ينكر نبل الفكرة، فما أحوجنا لنشر قيم التسامح في سياق إقليمي و دولي تنتفي فيه قيم العيش المشترك لتترك المجال لفكر الإقصاء ورفض الآخر المختلف. وبعيدا عن خطاب “أسطرة” الأنا، لنتساءل هل نؤمن فعلا بقيمة التسامح ؟

     المعروف أن كلمة التسامح مستحدثة في اللغة العربية لتكون مقابلا للكلمة الفرنسية “tolérance”  التي ظهرت في الغرب كنتيجة حتمية للتطور التاريخي والقيمي في أوروبا بعد سنين من الحروب, وتحمل بالتالي سمات سياق ظهورها بعد الثورة الفكرية لعصر الأنوار في القرن الثامن عشر والثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. إن المعنى الأصلي لهذه الكلمة لا يعني “قبول الآخر” بل فقط القدرة على “تحمله” في حالة استحالة تغييره. في هذا الاتجاه سار مقابلها في العربية حيث يحمل معنى “التساهل” و”العفو”و”الحلم”، وهي كلها صفات لن تتوفر إلا في القوي و المهيمن أو من له سلطة. فسواء في اللغة الفرنسية أو اللغة العربية لا يبدوا أن هذه الكلمة يمكن أن تعكس المضمون الحقيقي لمفهوم”العيش المشترك” كمقابل للعبارة الفرنسية “le vivre ensemble” التي تبدوا أكثر دقة من خلال قبولها للتعدد و الاختلاف دون تراتبية أو علاقات هيمنة.

      لا يجب أن يكون التسامح مجرد كلمة للاستهلاك الإعلامي ولتسويق صورة تسقط أمام أول امتحان، بل يجب أن تكون قناعة داخلية وممارسة تلقائية تأتي كنتيجة للتربية. مند الدورة الأولى لمهرجان “التسامح” لوحظ عدم التسامح مع الأغنية الأمازيغية التي، وفي أحسن الأحوال، تضاف في الدقائق الأخيرة، تحت ضغط احتجاجات بعض الفاعلين. إن مجرد الحاجة لرد فعل من جهة ما أو لتدخل جهة نافذة معينة لكي تبرمج الأمازيغية في هذا المهرجان دليل على أننا نطبق “التسامح” بمفهومه الفرنسي-العربي وليس “العيش المشترك” بمفهومه الإنساني. وبعودتنا لتاريخنا البعيد و القريب ولبعض السلوكات الموجودة في مجتمعنا سيتضح لنا أن ما نسميه ب”تسامحنا”، حين يوجد، كان نوعا من “العفو” من المهيمن على المهيمن عليه وليس إقرارا بالمساواة معه. فإذا كانت وضعية اليهود المغاربة أحسن بكثير من وضعية اليهود في باقي مناطق العالم إلا أنها لم تصل قط للمعنى الإنساني “للعيش المشترك” المبني على المساواة. فاليهودي ظل “دميا” في المجتمع المغربي الإسلامي رغم وجود علاقات إنسانية على مستويات عدة، ورغم التأثير الكبير للثقافة اليهودية في الثقافة المغربية. إن لازمة “حاشاك” التي يستعملها المغاربة كلما ذكرت كلمة اليهودي دليل على هذه النظرة الاستعلائية اتجاه هذا المكون أساسي من مكونات المجتمع المغربي والذي لم يعد جيل اليوم يعرف عنه أي شيء، ما عدا بعض الصور النمطية أو مواقف متشنجة ناتجة عن ما يسمعه عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. أما نظرتنا للمغاربة السود فالثقافة الشعبية لا زالت تحتفظ بصور احتقارية كثيرة، بل إن أعراف بعض المناطق في زمن ما كانت تمنع دفنهم في مقابر المسلمين. وبمجيء الأفارقة جنوب الصحراء، يتعزز حضور البشرة السوداء بالمغرب لنكتشف مفارقة عجيبة بين توجه الدولة الرامي لضمان حقوق هذه الفئة التي “اختارت” المغرب بلدا للإقامة وبين التمثلات السلبية للمغاربة عن الأسود، مسلما كان أو غير مسلم. إن تبني مبدأ “العيش المشترك” وليس “التسامح” يفرض على المغرب قبول أفارقة جنوب الصحراء كما هم من خلال احترام لغاتهم وتوفير ظروف استمرارها بين أبناء هؤلاء المهاجرين وأيضا توفير الكنائس و أماكن العبادة لغير المسلمين منهم وهي نفس المطالب التي يطالب بها المغاربة المهاجرين في كل بقاع العالم.  إن من تبعات هذه النظرة ذات الجذور التاريخية العميقة إلى السود كوننا اليوم لا نتوفر على وزير أو زعيم حزب أومقدم برامج تلفزية دو بشرة سوداء.  في المقابل، يعتبر النص الدستوري لسنة 2011 خطوة مهمة للإقرار بالتعدد و الاختلاف في انتظار أن يجد ذلك مكانا في ثقافة المجتمع.

    إن مظاهر اللاتسامح في مجتمعنا عديدة، فما نشاهده من ردة فعل المغاربة اتجاه الآكل جهارا في نهار رمضان (بعذر أو بدونه) أو من تشم فيه رائحة “المثلية” أو أعلن إلحاده وأحيانا ضد نوع معين من اللباس لخير دليل على أننا نحتاج للتربية على قيمة “العيش المشترك” واحترام و قبول الآخر كما هو لا كما نريده أن يكون. 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.