أستمتع هذه الأيام بإعادة قراءة “الأيام” لطه حسين
كما استمتعت بإعادة مشاهدة فيلم “الزفت” للطيب الصديقي كما استمتعت بإعادة مشاهدة مسرحيته “كتاب الإمتاع والمؤانسة. ابو حيان التوحيدي” للطيب الصديقي. وأمزج قراءتي بشيء من كتب حديثة وممتعة ومفيدة منها “الهويات القاتلة” لأمين معلوف و”ليست هناك هوية ثقافية” لمؤلفه فرانسوا جوليان.
الغاية هي متعة القراءة أولا. ولكن وأنا أعبر مثل هذه النصوص والأشرطة، تعن لي أسئلة، تنتصب أمامي كالجرح: اللماذا؟ لماذا لا نقترح مسرحيات المغاربة على المغاربة إلا لماما؟ ولماذا لا تتداول إنتاجاتنا بما فيه الكفاية؟ والكيف، كيف لشبه النخبة أن تدحرجت اهتماماتها إلى قاع الجرة الاجتماعية ولم تعد قادرة (أو راضية) على إشاعة الفكر والإبداع؟
طبعا سوف يقال إن .. وإن … وكثير منا سوف ينهي التمني باللوم، لأن الاختفاء وراء الشاشات الصغيرة مريح للغاية، وينتشي صاحبه بكتابة الأوهام ويتمثل نفسه كمن يقرأ المعلقات على القوم، بل ومنهم من يرى نفسه ندا لإميل زولا في رسالته الشهيرة: “إني أتهم”.
وأنا شخصيا ليست لي رغبة لإحياء الموتى أو وعظ التائهين، فقد كرهت الوعظ منذ نعومة أظافري وتسلحت بالنصيحة. لأن الوعظ يؤدي إلى فكرة واحدة وطريق محدود الأفق، أما النصيحة فتفتح أبواب التفكير للخروج من الورطات المتتالية.
ماذا لو لعبنا الدور الوظيفي المتمثل في العطاء؟ ماذا لو انتظمنا في شكل يجعل منا شحنا وكتلا حرجة تزيد الدفع بالعجلة إلى الأمام. كلما حدثت نفسي بمثل هذه الطوباوية الزائدة وجدت نفسي على قارعة المحتمل. يسند رأيي وقتنا الضائع وتعززه الساعات الطوال التي تضيع في الترهات. لماذا يحب البعض تشي غيفارا ويكرهون التغيير. ولماذا نفضل الانتشاء بالهزائم الصغرى للآخرين. عيننا تكاد تكون شبيهة بعيون التصقت بجدار الحي ودروبه، تبصر وتلوك الكلام، لكنها مشدودة للجدران لا تستطيع فكاكا. كذلك شأن الذين ترتهل أجسادهم في المقاهي، التي انقلبت جلساتها من متع الدردشات إلى ساعات للهروب من الأشياء المؤجلة ومن ثقل التكرار في المنازل. “قتلتنا الردة، قتلنا أن الواحد منا يحمل في الداخل ضده”.
مناقشة هذا المقال