في سنة 2011، وقبلها بعقد من الزمن ، اي في البدايات الأولى لدخول حزب العدالة والتنمية مضمار المشاركة السياسية الانتخابية، ومباشرة بعد خروجه من مرحلة العمل الدعوي والتربوي، السري منه والمعلن، حضي هذا التنظيم بتعاطف سياسي كبير من طرف نساء ورجال التعليم ، حيث سيشكلون القاعدة الإجتماعية للحزب وحاضنته الانتخابية، والتي بلغ أوج دعمها للبيجيدي سنة 2011.. فاستثمر الحزب بدكاء دعم عاطفي كبير منحته له هذه الحاضنة الانتخابية، والتي بدورها سحرتها “سردية المظلومية” التي برع الحزب في حياكتها..
في وسطنا المهني كان من الصعب اقناع زملائنا بخطاب آخر يبدد عقيدة ” البديل الوحيد والأوحد” التي سكنت مزاجهم السياسي ، حيث كان هناك شبه ايمان مطلق ومهدوي بالبيجيدي، ممهور بعصبوية واطلاقية ترسم صورة خرافية ” للأخ الإسلامي” والتي لاتلحقها باقي اعطاب الفاعلين السياسيين اخلاقيا واجتماعيا..كان دعما مطلقا وغير عقلاني وغير موضوعي ، سيتحول بعد بضع سنوات قليلة من مشاركة البيجيدي في الحكم وتدبير الشأن المحلي بالمدن الى كراهية ومناهضة مطلقة ايضا وغير عقلانية للبيجيدي..لماذا؟
كأن البيجيدي كان يحكم وحده، بدون حضور للمؤسسة الملكية ولاحلفاء ولامكونات حكومية أخرى.. أو حلفاء اخرين في مجالس الجماعة المدن والقرى..فأصبحنا مجددا أمام مواقف أخرى لهذه الحاضنة الانتخابية تحكمها مرة أخرى العاطفة، في مشهد تختلط فيه المأساة والملهاة، حين تتصور فئات واسعة من هذه الحاضنة الانتخابية التي خدلها حبها السابق للبيجيدي ان البديل اليوم هو التجمع الوطني للأحرار..وكأن هذا الحزب كان في المعارضة او كان يقدم ملتمسات رقابة ضد حكومة العثماني، وليس مشارك رئيسي في هذه الحكومة، ويدبر قطاعات حكومية حساسة ووازنة سياسيا وماليا اكثر من وزارات البيجيدي!
نفس المزاج السياسي تحول من النقيض الى النقيض، ولكن بنفس آليات التفكير التي تفتقد إلى القراءة السياسية والوعي السياسي الذي ينبغي ان يكون لدى فئات اجتماعية من المفروض ان تكون هي الحامل الاجتماعي لقيم المساءلة والمواكبة الواعية والديمقراطية للشأن العام ..
هذا المزاج السياسي نتفق معه في كون البيجيدي فاشل في تجربته وخيب آمال المتعاطفين معه، ولكن لايمكن ان نصدق ان يكون التجمع الوطني للأحرار كتعبير حزبي لزواج المال السلطة بديلا عن البيجيدي..فنهرب من فشل البيجيدي ونرتمي في احضان اوليغارشية مصالحية تخدم الباطرونا لونها الحزبي الحالي تعاقب على كل الحكومات..
من قبيل الاعتراف والموضوعية أن نقر اننا اليوم نستطيع مساءلة ومحاسبة العدالة والتنمية حزبا ومرجعية، و نذكره بكل شعاراته وسردياته، ونتوجه للتصويت ضده.. ولكن يستحيل أن نتوجه بعد 5 سنوات لمحاسبة التجمع الوطني للأحرار، لأننا لن نجد فيه لااخنوش ولا كل حوارييه ولا طواقم شركاته الإعلامية والتواصلية.. لأنه مجرد “كراج” للإيجار، تستأجره اليوم اوليغارشية زواج المال والسلطة، ولاندري أي “كراج” ستستأجر غدا وأي عنوان حزبي ستتأبط..
مناقشة هذا المقال