… ونحن على بعد ساعات محدودة من انطلاق الشهر المبارك، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، لنعيش في ظل لحظات ربانية تأملية، كانت تمر وفق طقوس بعضها ديني وبعضها مجرد عادات لها ما لها وعليها ما عليها. ونحن في اليوم الأخير من شهر شعبان تستمر رحلة التأملات التي ألزمنا عليها أنفسنا، ونحن في ظل الحجر الصحي، قبل أن نبدأ في تأملات رمضانية قد تكتسي طابعا آخـــر، أو تلبس حلة جديدة….فمن يدري؟ نترك التأمل للتأمـــل ….
بالأمس، وخلافا لعادتـــي، تتبعت برنامج أسئلة كورونا الذي ينشطه الصحافــي صلاح الدين الغماري، الذي كشف فيروس كورونا وجهه الآخر وهو يتحدث بالدارجـــة المغربية الممزوجة بحماس أبوي جميل….قررت مشاهدة الحلقة كاملة، فقط لأن الضيف من العيار الثقيل، الدكتور محمد اليوبي مدير مديرية الأوبئة الذي ينتظر المغاربة قاطبة بترقب كبير تصريحاته كل مساء….شخصية مغربية تحسن التواصل بامتياز. رجـــل تحس بالصدق وبتملك مستويات الخطاب وهو يتحدث، رغــم إصرار البعض على عدم نسيان كلامه في بداية الأزمة عبر لقاء صحافي مع الصحافي رضوان الرمضاني، حينما قال يومئذ بأن هذا الفيروس ليس بتلك الخطورة، وبأننا لن نصل إلى تلك الدرجة المخيفة التي ستكون فيها المدن محاصرة…كلام اعتبره البعض بأنه خروج عن النص. لكنني شخصيا لم ولن أعتبر الأمر كذلك. الرجل يتحدث آنذاك وفق معطيات تلك المرحلة، فحتى منظمة الصحة العالمية بخبرائها رجعت لتقول بضرورة ارتداء الكمامات ، والكثيرون من أهل الاختصاص صرحوا ويصرحون وفق تطورات الفيروس المستجد…الرجل في تلك الخرجة كان مقنعا جدا، وقدم للمغاربة رسالة اطمئنان بأنهم يملكون دولة قوية Etat puissant يمكن لهم أن يفتخروا بها…والرجل مازال يقنع يوما بعد يوم بخرجاته وبتصريحاته، وبتبسيطه للغة الأرقام….نعم، إنها من أصعب اللغات…يمكن لمن يتقنها أن يقنعك بأنك في الطريق الصحيح رغم كونك تغرق…وهذا معروف لدى أهل الاختصاص (ولأن الرجل يثقن التواصل، يقدم الأرقام بشكل مبسط يجعل الجميع يتتبع ويفهم مدلولها)…ما أثارني واستوقفني في كلام الرجل يوم أمس هو رسالته التي ختم بها تدخله في البرنامج، جعلتني أتأمل في جوابه حينما سئل عن حيثيات تمديد الحجر الصحي، وأجاب بأننا انتقلنا من الشوط الأول إلى الشوط الثاني وتمنى ألا تصل المباراة إلى الأشواط الإضافية…..ولأنني من عشاق المستديرة، التي افتقدتها كثيرا بالمناسبة، قرأت تصريحه الرائــــع بلغة الكرة…..
معلوم في لغة كرة القدم بأن الشوط الأول هو شوط اللاعبين، بينما الشوط الثاني هو شوط المدربين، ومعلوم أن الفرق الكبيرة تدبر جيدا الشوط الثانـــي؛ بحيث إنها تحقق فيه أحيانا انتصارا كاسحا. ومعلوم أن الصغار يفقدون هيبتهم الكروية بمجرد الاصطدام بمخططات المدربين الكبار في الفريق الخصم مع انطلاق النصف الثاني من المباراة….حسب كلام الدكتور اليوبي، تصورت المغرب شعبا ودولة هو الفريق المعني بهذه المباراة، والفيروس اللعين هو الخصم…نحن كشعب هم اللاعبون، والدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها هي الطاقم التقني …مر الشوط الأول ببعض التدخلات الطائشة من قبل بعض اللاعبين، بعدم التزام بعضهم بأماكنهم، بضعف اللياقة لدى البعض، لكن ببروز روح الفريق التضامنية، وبالوقوف الصارم للجهاز التقني، الذي ظل يوجه ويؤطــــر في كل دقيقة وكل ثانية….انتهى الشوط الأول بنتيجة ليست بالسيئة مقارنة مع نتائج فرق أخـــرى تصنف ضمن الفرق العريقة…
انطلق الشوط الثاني، بعد اجتماعات ومشاورات بين أعضاء الجهاز التقني، الذي اتخذ قرارات حاسمة وقدم توجيهات صارمة لجميع اللاعبين…المباراة مستمرة والخصم مازال محاصـــرا، رغم كونه يقوم ببعض الهجمات المباغتة بين الفينة والأخرى بسبب سوء تموقع البعض من اللاعبين….هنا، ولكي لا نوصل المباراة إلى الأشواط الإضافية لا بد من التعامل بصرامة مع بعض اللاعبين الطائشين. فلا أحد منا بمقدوره أن يتوقع كيف ستكون لياقتنا في تلك الأشواط، خاصة أن الكثيرين بدأت علامات التعب تظهر عليهم….فمزيدا من الصمود بالالتزام بتوجيهات الطاقم التقني….حتما نحن شعب التحديات، وشعب الانتصارات في المواقع الكبرى، ولـــن نخذل التاريخ ولن نخذل طاقمنا التقني، الذي أبان عن احترافية الكبار….شكرا لجميع أعضاء الفريق التقني، وشكرا للدكتور اليوبي ومن خلاله لجميع أطر الصحة، وشكرا لجميع أطر الدولة المغربية، وألف شكر لعاهل بلادنا الذي كان نعم القائد الأعلى لهذا الفريق طيلة فترات اللقاء، وألف تحية لمكونات الشعب المغربي الذي أبان عن روح جماعية مثالية….
درس اليوم…..الكبار يحسنون التعامل مع اللحظات الصعبة، والتاريخ يشهد دوما بأن المغاربة ملكا ومؤسسات وشعبا دوما من الكبار ….
فإلى تأمل جديد، أتمنى للجميع رمضانا مباركا سعيدا، أهله الله علينا وعليكم أجمعين باليمن والبركات، كما أتمنى للبشرية جمعاء أن تنتصر على الوباء اللعين، وباء كورونا…وتعود إلى الحياة إلى عهدها في حلة جديدة…مرحلة ما بعد كوفيد ١٩
إبــــــــراهيم عفيف استاذ مفتش تربوي وفاعل جمعوي.
سوس ماســـــة
24/04/2020
مناقشة هذا المقال