على الجميع أن يتذكر هذه الصورة، التي رفع فيها أربع أمناء عامون لأربعة أحزاب شارة النصر على بوابة المعبر الحدودي. وستسمى الحكومة المقبلة “حكومة الگرگرات” ، هل كانت هذه الصورة محض الصدفة، أم هي إشارة سياسية مقصودة من طرف هؤلاء السياسيين الأربعة، أم هي من ذكاء المصور الذي التقطها في زحمة العديد من الصور.
كيفما كانت الدوافع والنوايا، إلا ان هذه الصورة تحمل عنوان المرحلة المقبلة، نظرا لما نتابعه من تقارب كبير بين عبداللطيف وهبي امين عام البام وحزب الاسلاميين، وكذلك تقارب البام مع الاستقلال وحزب نبيل بنعدالله الذي كانت علاقته سيئة جدا مع البام أيام الياس العماري. وبالتالي هذه الاحزاب الأربعة بالرغم من اختلافاتها الايديولوجية فانها اليوم تكاد تتقاسم الكثير من عوامل التقارب السياسي والتحالف الانتخابي ضد نوازع حزب التجمع الوطني للاحرار الذي يريد الهيمنة على المشهد السياسي والحزبي وفرض نفسه كخيار وحيد لقياد المعركة الانتخابية المقبلة، ويظهر أنه هو القادر على مواجهة تغول الاسلاميين شعبيا وانتخابيا وسياسيا، حزب الأحرار هو يسعى إلى ذلك يستغل قوة وحيدة، وهي جاذبية “المال في السياسة” من خلال التحرك التنظيمي الكبير والانزال اللوجيستيكي الكثيف، والبروباكندا الاعلامية المباشرة التي تمحور وتمركز الدينامية الحزبية في شخص واحد، هذه الخطة تم تجريبها في المغرب مع الاسلاميين ففشلت، فهي خطة تقوم بتهييج قواعد الاسلاميين محليا وجهويا ووطنيا، حيث يجدون أمامهم خصوم سياسيين لا امتداد جماهيري ولا مسار نضالي ميداني في أسفل المجتمع، وإنما أعيان ومستثمرين كبار لهم أموال طائلة ولكن ليسوا بسياسيين يحملون رسالة أو مرجعية سياسية أو فلسفية او أيديولوجية، فقد تابعنا مناضلين عاديين من الطبقات الاجتماعية البسيطة ينتمون إلى الحزب الإسلامي يتفوقون انتخابيا وبفارق كبير على مرشحين لهم أموال طائلة ولهم دعم مادي كبير. وبالتالي فالنسق الانتخابي تغير كثيرا والسلوك الانتخابي منذ حركة 20 فبراير عرف تحولات كثيرة جدا، فلم يعد المال والاعيان هم المتحكم الأساس في النتائج الانتخابية، في البوادي لازال ذلك ممكنا بنسب اقل، ولكن في المدن الكبرى أصبح ذلك مستحيلا.
إن حكومة 2021 تتحدث عنها هذه الصورة من الگرگرات، (هذه الاحزاب الأربعة التي تظهر في الصورة تتوفر حاليا على ما يقارب 275 مقعد في مجلس النواب) وهي تمثل سياسيا وايديولوجيا حزب “الحركة الوطنية”، والحزب الشيوعي وحزب الاسلاميين وحزب الإنصاف والمصالحة، وهي ملامح كتلة سياسية جديدة يبشر بها ويحلم بها عبداللطيف وهبي، لضخ حيوية جديدة في النفس السياسي الهجين بالمغرب والذي أصابه العياء والترهل واللاثقة منذ اندلاع حراك الريف وما كشف عنه من فشل في المشروع التنموي للمغرب، وهبي يعتبر نفسه امتدادا للاتحاد الاشتراكي والطليعة، ويسعى إلى جعل حزبه البام جرارا يجر كتلة جديدة لتذويب الاسلاميين بسلفية حزب الاستقلال وشيوعية التقدم والاشتراكية. وهبي الاتحادي القديم ومن وحي الذين جعلوه على رأس البام بعد فشل تيار القاعديين، اقتنعوا بعدم جدوى الصراع المباشر والعنيف مع الاسلاميين لأنهم يتقنون خطاب الضحية السياسية، لأن اصلا الخطاب الدعوي للاخوان المسلمين مبنى في العمق على لعب دور الضحية السياسية، ويتم تغليف ذلك الخطاب دينيا ويتم تهييج وتنويم الجماهير والفئات المحرومة من الشعب لخدمة المشروع السياسي الإسلامي والتضحية من أجله، وبالتالي البام خرج بخلاصات، من يريد هزم الاسلاميين في الانتخابات فعليه تجنب الصراع المباشر والاحتكاك العنيف معهم، وهذا ما اقتنع به عبداللطيف وهبي ونزل لتطبيقه فهو يهادن الاسلاميين ليس للتحالف معهم وإنما لهزمهم، أي أكلهم من الخلف.
بقي الآن من الذي سيلعب دور البام القديم في مهاجمة الاسلاميين ومنازعتهم بشكل مباشر وصريح وتهديدهم باجتتاتهم انتخابيا، أفقيا وعموديا، هذا الدور يلعبه حاليا رئيس حزب الأحرار، فهو يعلم كما يعلم الجميع أنه ليست له القدرة السياسية والفكرية والنضالية والميدانية لهزم الاسلاميين في صناديق الاقتراع، رغم ما يعيشه البيجدي من صراعات وتطاحنات داخلية..
أظهرت صور الگرگرات أن رئيس حزب الأحرار عزيز أخنوش يتزعم مسيرة الأمناء العامون في الگرگرات، وهو يسبق بمسافة بقية الأمناء… هو الآن يشعر أنه يقود المشهد السياسي ويستعد لرئاسة الحكومة، ولكن الواقع والأرقام والمنطق السياسي تقول أشياء أخرى منها أن رئيس الأحرار سيكون خارج حسابات الحكومة المقبلة…
مناقشة هذا المقال