بقلم: توزيط نورالدين.
قبل أن أخط بيدي هذه الكلمات أدرك إدراكا تاما انني أقتحم عرين الأسد و أن المحرمات ذكرها و تناولها في الجهات الجنوبية الثلاث هي “التهريب، و المافيا السياسية و العقارية ، الريع ” و كلها تستلزم التسلح بالشجاعة، و الغريب من كل هذا انها واضحة للعيان و الاغرب ان المحرمات ذكرها كلها تؤدي إلى إسطبلات الشخصيات المرموقة.
اليوم أعلم ان هذا المقال سيخلق لي الكثير من المشاكل فأغلب من هم على حالي و سلاحهم الكلمة ، يعتبرون موضوع التهريب في الصحراء خطوط حمراء و طابو لا ينصح بإختراق و كشف أغواره و الاقتراب من عالمه.
فكل من زار الصحراء لا بد أن تصادفه سيارات TOYOTA رباعية الدفع بدون ترقيم تجوب الطرقات و الأزقة دون رقيب و حسيب، و من يقطن مدنها لابد أن يعتاد هذه المشاهد و أن يسمع عن حالات إعتداء و إختفاء ترتبط بتصفية حسابات و صراع مافيا التهريب من أجل الضفر بخط من خطوط الإمداد و التهريب التي تخترق الحدود.
الجميع هنا يهاب أختراق جدار الصمت هذا و يخشى من الخوض في نقاش مافيات التهريب و لا أحد هنا يريد كسر هكذا طابوهات مسلحة بمظلة النفوذ و المال السياسيين، الذي يفرض على الامنيين أنفسهم غض الطرف عن هذه المسلكيات الخارجة عن القانون، فرمال الصحراء تحترق كل من يغوص في مستنقعها .
بين الفينة و الأخرى و داخل نسق حروب المافيات نسمع بسقوط إمبراطورية فلان قبل أن تشيد معالمها من جديد على يد من أسقطها ضمانا للوفاء، فمهما علا شأنك هنا فأنت تحت إمرة من رسم لك طريق التهريب و فتح باب العلاقات في وجهك على مصرعيه.
لقد ظلت وادنون دائما تتردد في تحقيقات و لزمت شخصيات منها دائما تهم زعامة مافيا التهريب، بدأ من فاجعة سقوط أطفال طانطان مرورا بفضيحة الثوب المهرب الذي قطعت الشاحنات التي نقلته المغرب طولا وعرضا، وصولا إلى إحتجاز 19 شخص من طرف جماعة البوليسايو بتهمة تهريب المخدرات ، و أخيرا حجز أطنان من مخدر الشيرا في ضيعة فلاحية بتغجيجت.
لا يعقل ان تستمر تجارة التهريب دون علم الشرطة بمن يتزعمها، و لا يعقل ان تهرب أطنان من القشريات و الأسماك يوميا أثناء الراحة البيولوجية من موانئ الصحراء دون علم رجال الجمارك، و لا يعقل كذلك أن تهرب شاحنات معدة لتهريب البنزين ما يقارب 2000 لتر عن كل شاحنة دون ان يلاحظ دركيو الحواجز الامنية وجود صهاريج اضافية في جنبات الشاحنات، و لا يعقل ان يباع الدقيق المدعم و السكر المدعم و الزيت المدعم القادم في الصحراء في هوامش بوابة وادنون بضعف ثمنها و بثمن منافس.
هنا في الصحراء كل شيء يباع حتى و إن كان تاريخ صلاحيته متجاوزة (فضيحة السلع المستوردة المنتهية الصلاحية) و لا شيء هنا يمثل هذه الارض على حد قول أهلها، الشاي قادم من الصين و الثوب من الهند و الدقيق وباقي مستلزمات ضمان لقمة العيش تتكفل الثكنات العسكرية بإمدادها للمخيمات.
اليوم وبعد ان انكشف المستور في فضيحة حجز 6 طنان من الحشيش لابد من كسر هذا الجدار، و تحمل المسؤولية في مواجهة كل أشكال التهريب فنحن فعلا أمام منظمات دولية تخترق الحدود لا تبالي بالمآسي التي تخلفها وراءها ، و لا تهتم بحجم الضرر الذي تحدثه في اقتصادنا، و المعضلة الكبرى ان تضخ الاموال التي تجني من تجارة التهريب في جيوب جهات متطرفة لتمول بها أنشطتها الإرهابية، كما نبهت وصرحت وزارة الدفاع الامريكية إلى ذلك في السابق.
بين القيل و القال أجمع الجميع ولو سرا على قول أن الظاهرة ليست بالغريبة عن محيطنا و أن الجميع ضالع فيها و مشارك في رسم معالمها، بالصمت المطبق إزاء الممارسات القانونية التي تجري أمام أعين الجميع (مواطنين و سلطة)، و أ ليس السكوت من علامات الرضى كما يقال.
من يتصنع الاستغراب و يرسم على محياه علامات الاستفهام و يتدرع بالسؤال كيف و لماذا و أين ؟؟؟؟ لكن لن يتهرب من محكمة الضمير، وسيظل دائما صوت الحقيقة يتردد في اعماقه،بالفعل نحن مجرمون و مشاركون و مساهمون في انتشار هذه الظاهرة، المهربون تمادو في أفعالهم و راكموا الثروة و تمكنوا من بلوغ مراكز القرار و لهم واسطة و نفود في كل مكان بفعل جبن الجميع.
و نعلم كما يعلمون ان خوفنا هذا من مكنهم من صنع امبراطورية اسمها مافيا الصحراء و بوابتها وادنون، ونعلم أن رقابنا اليوم موضوعة تحت الطلب نخاف من مواجهتهم، فتهريب السلع و المنتجات يجري أمام أعيننا و نقتني في بعض الأحيان سلع نعلم أنها مهربة، فلا تتصنعوا الاستغراب و لا تطرحوا مزيدا من الاسئلة كلنا شركاء او مساعدين او مساهمين في الجرائم التي تخترق محيطنا.
مناقشة هذا المقال