ابراهيم وزيد : التعريف بقبيلة آيت جرار(1 )
التسمية:
ورد اسم القبيلة في “ديوان قبائل سوس” لصاحبه ابراهيم بن علي الحساني، ( ويعود تاريخ تأليفه الى سنة 1580م) وفق صيغة “أهل جرارة”، على غرار “أهل تيزنيت”، حيث اعتاد الإخباريون وضع لفظة “أهل” كمقابل لكلمة “آيت”.. أما التسمية السائدة محليا ولدى القبائل المجاورة، فهي صيغة جمع مفرده :”أجرار”..
استقر “آيت جرار” في سهل “أزغار” قبل ثمانية قرون، منذ استدعائهم من طرف ابن يدر الزكندري (ت669ه-1270م)، وقد تفرقوا بالصحراء وسوس، ومنهم فرقة استقرت بضواحي تيزنيت ، وهي منطقة سهلية خصبة تدر خيرات فلاحية كافية، وتتوفر على منابع مائية مهمة. الى جانب المصادر التاريخية، تؤكد الطوبونيميا أن القبيلة وافدة على المجال، اذ رغم مرور قرون على استقرار الجراريون بالمنطقة، فقد ظلت أسماء الأماكن في صيغتها الأمازيغية، بما في ذلك القرى التي تنتشر فيها العربية الجرارية، وهي عامية مشبعة بالكلمات والأساليب الأمازيغية: تالعينت، تدايغت، إغرم، إدغ، إغبولا، أكوراي…
بالإضافة الى جنوب تيزنيت، ينتشر الجراريون في واد نون وتحديدا في جماعة تيمولاي نواحي بويزكارن، اذ لا زال جزء منهم هناك، في مكان يسمى “آيت جرار”، كما ينتشرون في نواحي الدار البيضاء، حيث توجد قبيلة تحمل اسم “أولاد جرار”.. ويتضح أن الجراريون يحملون اسم “آيت جرار” كلما استقروا في محيط أمازيغي و “أولاد جرار” كلما استقروا في محيط معرب..
أصل الجراريون
اتفق المؤرخون أن أولاد جرار هم “عرب معقل، استقروا بسوس في فترة علي الزكندري ق13-14 في عهد المرينيين. ففي سنة 1218 وصلت قبائل معقل الى واحات باني، قبل أن تتجه الى سهل سوس بدعوة من ابن ايدر الزكندري ويذكر لوشاتولي le chatelier أن قبائل أولاد جرار “تنتمي الى أولاد بو سباع (اولاد يحي) مثل أولاد جلال. والذين أتوا من الساقية الحمراء زيادة على عرب معقل الصحراويون، أكد روبير مونطاي، أن “عرب ذوي حسان والشبانات المنتشرين في القسم الأعلى لملوية، تم تهجيرهم الى سوس في فترة إمارة الزكندري في القرن الثالث عشر، نظرا الى رغبة هذا الأخير الاستعانة بهم في محاربة الجزوليين الأقوياء.
بعد قدوم عرب معقل الجراريين الى سهل “ازغار” قادمين من الصحراء. “ملكوا قبائل سوس السهلية بالإتاوة وتسلطوا على وادي نون وإفران ولاتزال بقاياهم هناك الى الآن. كما كانوا يملكون كل السهول الشمالية لسوس من رأس الوادي الى ضواحي تيزنيت. وقد كانوا من المهادنين للبرتغال يوم احتلوا “فونتي” فرضة اكادير، وكم حروب جرت بينهم وبين الجزوليين الجبليين، وذكر سينيفال أنهم (الجراريون) كانت لهم شبه سيطرة على سوس قبيل ظهور السعديين. ولعل سيطرتهم تلك، استمرت حتى بعد بيعة زعيم السعديين، وبعدما قام الجزوليون ببيعة أول ملوك السعديين، انضم إليهم اذ ذاك هؤلاء (الجراريون)، حين رأوا القوة في جانبهم، فكانوا منذ ذلك العهد صاغية السعديين وكثيرا ما توجد الآن رسوم من قبائل شتى اشتروا بها من الجراريين مواطن سكنهم .. وفي عهد المنصور الذهبي أصبحت أولاد جرار، تحت النفوذ السعدي تؤدي التكاليف المخزنية، حيث أوردها صاحب “ديوان قبائل سوس” باسم أهل جرارة وأحصاهم بستين سرجة
وقد كانت كلمة هؤلاء الأعراب تجتمع دائما تحت رؤساء لهم صيانة لوحدتهم بين قبائل الشلحيين، لأنه لا عرب في سوس إلا أولاد جرار وهوارة وأولاد يحيا والمنابهة، وكلهم إخوة في النسبة العربية، ثم تناقص عددهم الكثير. حتى لم يبقى من الجراريين كقبيلة، الا ما يوجد الآن في ضواحي تيزنيت وهم نحو ثلاثة آلاف دار، وقد اختارت لسكناها أرضا مخصبة مائية تدر منها الخيرات..
الأسر التي تعاقبت على حكم القبيلة
مما يذكرون من رؤسائهم القدماء، مالك بن داود، الذي سيطر على أهل ماسة وأكادير، وله علاقة متينة مع البرتغاليين. وتذكر المصادر أنه يجمع ضرائب أهل ماسة للملك البرتغالي حوالي 1570 وتذكر المصادر أيضا أنه طلب المساعدة من الملك البرتغالي في رسالة مؤرخة 30 يوليوز 1517، أي بعد بيعة محمد القائم بأمر الله بست سنوات فقط
ومن رؤسائهم كذلك، سعيد بن سلام، وعلي بن غانم ثم في العهد الأخير كانت رياسة القبيلة في الركادة واسم الذي يذكر هناك الشيخ احمد بن سلمون ولا يزال طنين اسمه مدويا الى الآن. ولا عقب له اليوم، قبل تالعينت في عهد أسرة بورحيم، كانت الركادة هي مركز حاكم القبيلة ومقر السوق الأسبوعي، الذي ينعقد كل يوم أحد. ويذكرنا اسم “الركادة” بقبيلة تحمل نفس الاسم بنواحي بركان، مما يوحي أن المستقرون القدامى بالقرية في عهد المرينيين، يتحدرون من “الشبانات المنتشرين في القسم الأعلى لملوية” كما أكد المؤرخون.. علما أن القرية تعززت في زمن لاحق، بجزء من سكان قبيلة مجاط وتحديدا فخذة تجاجت، كما هو الحال بالنسبة الى سكان دوار “لبناور”، الذين يرجع أصلهم الى دوار “إد بنوارا” (سبت النابور)، مثلما يرجع أصل سكان “سنطيل” الى منطقة ايغيرملولن وتحديدا دوار بوسليمان..
انتقال مركز القبيلة الى تالعينت
انتقل مركز حكم القبيلة من الركادة الى تالعينت في عهد الشيخ بيه النكيضي، ويتحدر هذا الأخير، من قرية “أكوراي” إزاء تالعينت. وكانت أسرته تتوارث رئاسة أولاد جرار، ويعد أخر من تولى رئاسة القبيلة من أسرته، بعدما فتك به علي بن برحيم غدرا، في محل لايزال معروفا هناك، ثم برز بعده وذلك نحو 1240ه 1824م في حين أورد الإكراري تاريخا لاحقا لموت بيه النكيضي، مرجحا وفاة الشيخ بعد الستين بعام أو عامين من القرن الثالث عشر 1261-1262ه،(1845-1846م)
أسرة آل بورحيم
آل بورحـيم، هي أسرة جرارية راقية بسوس، ظهر فيها رجالات أفذاذ طوال مائة وعشرين عاما، كانت لهم الرياسة بين القبائل السوسية وأصلهم، على ما قيل، من مياض بالصحراء، دخلوا في الجراريين، وكانت في هذه الأسرة عداوة شديدة لايليغ…
يعد آل بورحيم، أشهر الأسر التي تولت الحكم في الجراريين، وهي أسرة صحراوية لها مجد باذخ وشرف مسترسل. تولت رياسة حلف “تحكات”، مثلما كانت رياسة “تاكوزولت” في دار ابن هاشم. أما القبائل التي تستظل بالنحلة الأولى فهي: أولاد جرار، آيت براييم، أهل تيزنيت، اداو بعقيل، آيت حربيل، آيت أومريبط، آيت إغشان، آيت أومانوز.. وفي الحلف الثاني: آل تازروالت، المجاطيون، الأخصاصيون، إد براهيم، المعدر، أهل أكلو، البعمرانيون، عرب تاكنا، أهل تمنارت، ادو سملال..
يعتبر علي بن بورحيم أول رؤساء الأسرة البورحيمية، وذلك سنة 1226ه (1811م) وحسب الاكراري، فإن “ابتداء الشيوخة والامارة من اولاد برحيم من موت الشيخ بيه النكيضي، بعد الستين بعام أو عامين من القرن الثالث عشر 1261-1262ه،(1845-1846م)
كان بورحيم بارزا بماله، ولم يكن يعد من أملاك الأسرة القديمة إلا ثلاثة محلات: الشعبة، جنان الشيخ، النبيكة. عرفت هكذا هناك بأسمائها، ووقع الإجماع على أنها هي الأملاك الصحيحة، التي كانت مملوكة لأجدادهم الأولين.
وقد كان بورحيم ساكنا على وادي تدايغت إزاء الشيخ سيدي موسى صاحب المشهد، الذي يقام عليه الموسم السنوي. ولم ينتقل الى تالعينت، انتقال استقرار إلا على ولده. وقد علمنا أن عين القرية –تالعينت- استخرجت حوالي 1130ه-1717م قتل علي بن بورحيم عام 1275ه(1858م)، قتله واحد من إخشلن..
باقي الرؤساء من سلالة بورحيم
بعد قتل مؤسس الأسرة علي بن بورحيم، تعاقب على رئاسة آيت جرار مجموعة من الرؤساء كما يلي: ” تولى ابنه الشيخ محمد –ضما- فقتل بعد التسعين بنحو عامين 1292ه (1875م) في حبس مولي الحسين اوهاشم بإيليغ.. ثم إن أخاه القائد محمد –فتحا- رجع لمقره ب”العين” عن قريب من الأعوام.. فتولى بعده أخوه الشيخ محمد –فتحا- ثم أخذ القيادة من السلطان، سيدنا مولانا الحسن (الأول) عام 1299ه (1882م) أيام نزوله بأمزورو ببلدة أكلو في رمضان..
ثم ان القائد محمد –فتحا- توفي في رمضان عام عشرة من القرن الرابع عشر 1310ه(1893م)، فهو جوهرة قلادة أولاد برحيم، أخذ الطريقة الدرقاوية على البركة السيد الحسن بن مبارك التمدزتي…
ثم أخذ القيادة بعد إبن أخيه، الذي يشابهه في الحلم والاناة، القائد عبد السلام بن محمد بن علي عام 1311ه(1894م) قبل موت السلطان مولي الحسن بأشهر، فاستمر قائدا الى 28 جمادى الثانية 1331ه ( ماي1913م) فقتل بأسرسيف بهشتوكة، غدره الأعراب فدفن فيه الى 28 ربيع النبوي 1332ه1914 ) م) “كان القائد عبد السلام هينا لينا، فقد قيل أنه لم يزد في أملاكه، الموجودة إلا بستانا واحدا يسمى “جنان موسى”.. ويعزى سبب اغتيال حراس الهيبة لعبد السلام الجراري الى دافع انتقامي لتخلف الجراري عن بيعته أكثر من شهرين، ثم تخليه عنه بعد هزيمته. وكانت زيارته له بأسرسيف للتمهيد بينه وبين السلطان مولي يوسف..
فنقله ابنه الشيخ محمد.. ثم قتل الشيخ محمد في الفتنة بين اولاد جرار والاخصاص بإغرم في التاسع من رمضان 1341ه(1923م).. ثم أخذ القيادة القائد عياد ابن القائد محمد –فتحا- فهو الآن حاكم البلد في محرم واحد وخمسين وثلاثمائة وألف 1351ه (1933م). واستمر القائد عياد بن محمد في منصبه الى أن عزل سنة 1357ه (1938م)، بعدما اتهمه الفرنسيون بأن له يد مع بعض أهل الجبال يؤيدهم سرا بالمال والسلاح، ليقاوم عدوه القائد المدني الاخصاصي وهو القائد مبارك البنيراني.. وقام الفرنسيون بنفي القائد عياد الى ميدلت ثم الرماني (زعير) ثم الجديدة، ولم يعد الى تالعينت الى قبل أسبوع من وفاته، توفي في 18نونبر 1942 وصف السوسي القائد عياد قائلا: “لم يدرك أحد منهم مدركه، ولا جال في مجالاته.. مضيفا أن “عياد هو الذي يبرم وينقض، ويغرم ويسجن. وهو الذي بسط يده لتأثيل الأملاك والأموال..
بعد عزل عياد، خلفه نجله القائد عبد الله بن عياد، الذي استمر على رأس القبيلة الى غاية فجر الاستقلال، وكان آخر رؤساء القبيلة من الأسرة البورحيمية، بعدما عزله قادة جيش التحرير المغربي بالجنوب.. يقول السوسي: “ثارت عليه إيالته أمام العامل الأول هناك في فجر الاستقلال، فأخر عن الرياسة.. ثم صار جيش التحرير يجيل يده في أمثاله ، فذهب إليه فريق منهم فأطلق فيهم رصاصات ليلا، ثم وصله بعضهم صباحا، فأتى به بملاطفة ثم ذهب به مع أمثاله من الرؤساء السوسيون الى نحر الصحراء، وحين غدر الفرنسيون في ضيوف العرش يوم اعتقلوا ابن بلة وأصحابه، (22 أكتوبر 1956) نفذ فيهم جميعا حكم الإعدام وهم نيف وخمسون..
المصادر المعتمدة:
السوسي المختار، المعسول، ج:19
السوسي، ايليغ قديما وحديثا، تح: محمد بن عبد الله الروداني
الاكراري، روضة الأفنان في وفيات الأعيان، تح: المرحوم حمدي أنوش
محمد حنداين، المخزن وسوس