بقلم ابراهيم عفيف.
منحنا، كما منح باقي البشر في العالم فرصة امتحانية صعبة جدا، لكنها كفيلة بإعادة النظر في سلوكاتنا اليومية تجاه أنفسنا وتجاه محيطنا الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. أزمة كورونا التي بدأت من الصين وكبرت على حين غرة ككرة الثلج أوقفت كل الأنشطة الحيوية، وبرهنت أن الإنسان كائن ضعيف جدا. لكن في المقابل، قدمت للعالم معالم الطريق لرسم مستقبل أفضل، مستقبل يتأسس على هدم بعض التوابث التي انتهت مدة صلاحياتها، وإحلال تعاقدات جديدة ذات بعد إنساني عميق محلها.
لن تكون نظرتنا سودوية، فالكثير من الأمم والشعوب ستستثمر اللحظة لإعادة الانطلاق والانبعاث من جديد. لكن، الكثير منها أيضا سيخلف الموعد مع التاريخ ويرجع إلى لحظة ما قبل كورونا رجوع الفاشل من ساحة الوغى.
لحظة الأزمة افتخرنا ومازلنا نفتخر، بكوننا دولة ومؤسسات، من الذين واجهوا الأمر بما يستحق من حكمة وتبصر. عشنا تجارب إنسانية لا يمكن للمرء إلا أن يفتخر بها. شهدنا مواقف راقية لنساء ورجال الأمن، ولنساء ولرجال الصحة، ولنساء ولرجال التعليم، وللفلاحات والفلاحين…لمسنا عمق الإنسان المغربي المتضامن مع أخيه الإنسان…
أتذكر اليوم الأول من الأزمة الصحية، حينها اكتسح الفضاء الأزرق الذي هو امتداد للفضاء الواقعي برسائل التفاؤل، ورسائل الاستعداد للتضحية من أجل الوطن…أحسسنا بالفخر والسعادة…مع توالي الأيام والساعات، تجسدت الكثير من الرسائل على أرض الواقع عبر مبادرات مغربية خالصة…تبقى للتاريخ….
ثقتنا في قرارات دولتنا تزداد ترسخا يوما بعد يوم، خاصة حينما نقارن حجم الكارثة الصحية بيننا وبين الآخرين. ثقة تحولت إلى يقين مع توالي الإشادات الدولية بحكمة وتبصر المغرب ملكا ودولة ومؤسسات وشعبا….
صبر الجميع، وامتثلت الأغلبية الساحقة لقرارات الدولة لحظة بلحظة…جاء اليوم الموعود، حينها قررت الدولة التخفيف من إجراءات الحجر الصحي، مع الإبقاء على وضعية الطوارئ الصحية وفق تقسيم جغرافي مبني على أسس منطقية وواقعية ذات صلة بالوضع الوبائي الراهن….صنف من صنف في المنطقة الأولى وصنف الآخرون في المنطقة الثانية. على أي كيفما كان الحال، الكل في سفينة واحدة والوجهة واحدة، والمصير واحد…
كوني من المنطقة التي نالت الحظ الأوفر من التخفيف، جعلني كبقية المواطنات والمواطنين أغادر بيتي رفقة أسرتي الصغيرة لقضاء أمور مؤجلة لثلاثة أشهر، مع الالتزام التام والصارم بكل التوجيهات الرسمية للدولة. حينها وقفت على واقع بعيد عن المنتظر…تصرفات بعض المواطنين تقول بلسان حالها بأننا كنا نائمين وكنا نحلم، واستيقضنا فجأة لنمارس حياتنا كما كانت قبل النوم، وكأن شيئا لم يكن…تجمعات عشوائية، ازدحامات غير مبررة، تصرفات مقيتة تجاه البيئة، سلوكات اجتماعية قد تعيدنا إلى نقطة الصفر….تألمت، ليس لنفسي. لكن للمجهود الجبار، الذي قام به من كان في الصفوف الأمامية ممن سبق ذكرهم، الذي قد يذهب سدى إذا استمر عبث البعض منا. كان الأجدر بنا أن نكرم نساء ورجال دولتنا كل من موقعه نظير ما قدموه، بالتزامنا الصارم بالقواعد التي تقتضيها اللحظة، لكن للأسف، أخشى أن يفسد الطائشون والطائشات فرحتنا وافتخارنا بما قامت به دولتنا…
من السهل أن تجتهد وتحقق مكتسبات، لكن من الصعب أن تحتفظ بها. خاصة أن الرهان الثاني يقتضي الكثير من الوعي وإعمال العقل المنطقي الذي يزن الأمور بالأولويات وليس بالرغبات…
الأزمة الوبائية كانت مكلفة جدا، اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا. لكن النكسة الوبائية إن وقعت لقدر الله ستكون صادمة بكل المقاييس…لذا، فكل منا يجب عليه أن يؤثر في محيطه القريب كل حسب إمكانياته وقدراته التدخلية…حتى نوصل السفينة معا إلى بر الأمان بأقل الخسائر…
إبراهيم عفيف
سوس ماسة
13/06/2020
مناقشة هذا المقال