بقلم ابراهيم وزيد.
ب- بين الجراريون والمجاطيون.
ينتسب المجاطيون الى “مجاطة”، وهي قبيلة كبيرة جنوب شرق تيزنيت، وهي احد فروع صنهاجة، كانت بأقصى الصحراء، ثم استقر منها فرع هناك وفروع أخرى في جهات مختلفة من المغرب. تنطق محليا: “إمجاض”، مفرد: “أمجوض” أي: “الأقرع”..
“لم تسلم علاقة “مجاط” بأولاد جرار من الصراع، وكانت منطقة ايغيرملولن الاستراتيجية بؤرة التوتر الدائم بين القبيلتين. ولم يهدأ الأمر الا بعد أن حسم السلطان المولى عبد الحفيظ النزاع لصالح أولاد جرار لكن التحكيم الملكي لم يحقن الدماء بين الطرفين، اذ استمرت الحرب بين القبيلتين حول ملكية ايغيرملولن، ففي عهد عبد السلام بن محمد بن علي الجراري (ت1913م) انقض المجاطيون على ايغيرملولن فنزعوه منه ومن ابن هاشم (محمد أوالحسين بن هاشم) وقد استحلى أهل ايغيرملولن تلك الحرية التي ينالونها بين المجاطيين حين يكونون من بينهم ولذلك لم يتمكن قط أهل تالعينت من ايغيرملولن تمكنا تاما. وليس هناك إلا المد والجزر الى أن استولى الاحتلال فحينئذ تمكنوا فيه”.. كان المجاطيون يعاونون أهل تازروالت حينا قبل أن يضموا إليهم ايغيرملولن نهائيا في بداية زحف القواد المتحالفين مع السلطات الفرنسية على أحواز تيزنيت لفرض الحماية.
لم يبقى الجراريون مكتوفي الأيدي ولم يقبلوا سياسة الأمر الواقع، وقاموا بشن هجوم على المجاطيون في ايغيرملولن، ويروي المختار السوسي تفاصيل الحرب بين الطرفين، التي اندلعت بالتزامن مع وصول حيدة بن مايس الى تيزنيت في المرة الأولى سنة 1333ه-1915م، وتمركز الهيبة مع جيشه في “كردوس” بعد هزيمة سيدي بوعثمان في 6 شتنبر1912، كما يلي: “..بلغنا أن الجراريين طلعوا الى ايغيرملولن فتلاقوا هناك مع المجاطيين، فسلبهم هؤلاء خمسين فرسا، فكادت تكون هناك معركة كبيرة، قال فأمرني الهيبة (ماء العينين) أن أتكلم مع الشيخ أحمد الأمازري، (رئيس بعقيلة) ليتوسط عند الجراريين أن ينكفوا عن ايغيرملولن، على أن يتوسط الهيبة عند المجاطيين أن يردوا إليهم أفراسهم، فإننا نخاف أن تقوم حرب بين الفريقين، وكلا الفريقين مسلم أمامنا جيش من النصارى، الذي هو عدو الجميع
واسترسل نفس المصدر، “وكان الشهر شهر رمضان، والفصل شديد الحرارة، فأرسلت صاحبا لي الى ايليغ ليشتري حملا من السكر، وخمسة أرطال من الاتاي، فيعطيها لسيدي علي بن محمد (الإيلغي) يعسوب الأسرة الرئيسية للبيتوتة عنده، ثم بت عنده في العشية أنا وأصحابي فقط، وعند الافطار من الصوم عند الغروب، دخل أهل “تالوست” من ايغيرملولن يستغيثون ويقولون: “أن المجاطيين دهموا علينا، ينتهبون ديارنا، فنحن الآن معهم في حرب، ثم تبعهم أهل قرية “أكارض”، كذلك وفي كلا المحلين أصهار لسيدي علي، فأراد أن نقوم لإغاثتهم في الحين.
وأضاف السوسي “بعثنا مع هؤلاء الشاكين من معنا من المشاة ثم أكثروا عليا ملحين كل الالحاح، والليل لايزال حتى توجهنا أنا وسيدي علي الى قرية تالوست فتلاقينا مع الراحلين منها ببهائمهم ومتاعهم، فأمرهم سيدي علي أن يذهبوا الى ايليغ. وقد صلينا الصبح في ثنية بين الروايس وتالوست، وقد لاقى الشيخ احمد الأمازري، الذي كان عزم أن يذهب من مجمع تازروالت الى تالعينت الجرارية، هذه الحادثة أمامه في الطريق، فرجع ولم يتم بعد ما يراد من سفره
ثم ذهبت أنا وسيدي علي الى قرية “أكارض”، فإذا بالحاج ابراهيم البنيراني دخل علينا، فقال لنا: ألا تعرفون أن هذا المكان-يعني ايغيرملولن- لمجاط، فقلنا له وأنا الذي تكلم: نحن ما جئنا لنجاذب الحبال حول هذا المكان، ولنتناقش لمن هو من الناس، وإنما جاء الصريخ الى سيدي علي من عند أصهاره هنا، فأصرخناهم لنعينهم على الرحيل بأولادهم الى مأمنهم. قال قائلهم: ماذا تريدون منا أيها البعقيليون؟ فهذه بلادنا، فإن أردتم أن تفتحوا حربا مع الأزغاريين، فإن عندكم بلادكم فافتحوها في تخومها بينكم وبينهم.. ثم اتفقوا بعد ذلك أن يتلاقوا على الجراريين لينهبوا تالعينت، التي سبق أهلها فأغاروا على ايغيرملولن، الذي يحسب من مجاط.. وانتهى الهجوم على الجراريين بتقديم أهل “إدغ” بآيت جرار، ذبيحة وإبرام الصلح بين القائد عياد الجراري والقائد مبارك البنيراني مقابل مال من طرف الأول للثاني..
وبعد انتهاء المهمة في ايغيرملولن اتجه الوفد الى وجهة أخرى، كما يروي السوسي: “أسرجنا خيلنا، فقمنا متوجهين الى ويجان، فبتنا نحن هناك في قرية والقائد سعيد بات في “تدارت” وقد بات تلك الليلة حيدة في المعدر وقد ورد علي سيدي علي بن محمد التازرولتي في ويجان، فطلب مني أن أذهب معه لنكون معا في ايغيرملولن ثم ألح علي سيدي علي بوساطة الشيخ النعمة (ماء العينين) في أن أذهب معه، فأسلست له فيما طلبه، وقد دلف الناس كلهم بالجيوش من قبائل كل ناحية لمحاربة حيدة، فرابط البعقيليون في وجان والمجاطيون في “تيكمي اوفلا” قرب ايغيرملولن، وقد سبقت أنا وسيدي علي (الايليغي) الى ذلك المحل بأصحابي وأصحابه، وليست معنا مؤونة، إلا أننا نقبض الدجاج الذي تركه الناس، الراحلون عن ديارهم مجفلين أمام حيدة، وقد كان الجنوب كله مهتزا بزحفه، ثم اجتمعت جيوش مجاط وادبراهيم فأتت إلينا حتى رابطت معنا هناك.. وهكذا رابط مقاتلو قبائل مجاط وآيت وفقا وأمانوز وأملن ونواحيها وادولتيت وادكرسموكت واداوبعقيل واداوسملال في ايغيرملولن بأولاد جرار، وشحنوا بالرجال والعدة والعدد الكاملة، وكان يومئذ (ايغيرملولن) من عداد “مجاطة”، اقتطعوه من الجيراري عياد، الذي زار النصارى وأخذ بيدهم”..
وأضاف نفس المصدر، وقد وصل حيدة تيزنيت، فذهب إليه عياد الجيراري، ثم خرج أمامه يجر الشوك والمذر فنزل في إيغير ببونعمان لكون عياد انضم الى المخزن وصار يحارب الهيبة، بعدما قتل الاعراب الصحراويون شقيقه القائد عبد السلام وهو في طريقه الى تارودانت ليتوسط في الصلح بين الهيبة وحيدة بن مايس، باقتراح من الشيخ النعمة..
وأما أهل تاجاجت المجاطيون، فلم تمتد إليهم قط يد أهل تالعينت، لأن الظهائر وحدها لا تكفي ما لم تعنها قوة”..
المصادر:
السوسي، المعسول ج: 19
السوسي، ايليغ قديما وحديثا، تح: محمد بن عبد الله الروداني
الاكراري، روضة الأفنان في وفيات الأعيان، تح: المرحوم حمدي أنوش
L.justinard, quarante ans d’études bérberes..
مناقشة هذا المقال