في يوم مشمس تبدو حرارته من أول ساعات الصباح… ونحن في طريقنا نحو واحدة من أكبر محطات تحلية مياه البحر بمنطقة المتوسط وإفريقيا، على بعد 40 كيلومترا من مدينة أكادير في اتجاه الجنوب… بموقع ساحلي بمنطقة الدويرة جماعة إنشادن، هنا توجد محطة تحلية مياه البحر داخل النفود الترابي لإقليم اشتوكة آيت باها، بجهة سوس ماسة.
تم تشييدها على مساحة تبلغ 20 هكتارا، انسجاما مع أهداف البرنامج الوطني الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس نصره الله 2020-2027، وهو برنامج يروم دعم وتنويع مصادر التزود بالماء الشروب ومياه السقي، وضمان الأمن المائي، والحد من آثار التغيرات المناخية…
رؤية ملكيـــــــــة
ها هو الحلم يتحقق… مشروع استراتيجي متكامل ومُهيكَل… محطة من الطراز العالي … من ضمن مجموعة من محطات تحلية مياه البحر، التي تعمل الدولة المغربية على إنجازها في أفق 2030 بعدد من المدن الساحلية لمواجهة معضلة الإجهاد المائي، الذي بات يهدد حواضر وقرى المملكة على السواء، في ظل توالي سنوات الجفاف وتراجع حقينة السدود.
انطلق تشغيل المحطة منذ يناير 2022… بعد دقائق يتقدم نحونا شاب في مقتبل العمر، تحدث إلينا مرحبا وعلى علم مسبق بزيارتنا بعد القيام بالإجراءات الإدارية اللازمة، “أيُّوب رَمْدِي” مهندس بمصلحة التجهيز بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي سوس ماسة… تسلمنا عند مدخل البوابة الرئيسية للمحطة الخوذات والسترات الصفراء، أحسسنا بالفخر ونحن نتقدم بخطوات ثابتة مفعمة بالحماسة ومتشوقين لاكتشاف أسرار المكان.
المحطة بلغة الأرقام.
لم يبخل علينا “أيوب” بالشروحات الكافية لعمل المحطة، أرقام دالة ومصطلحات فرنسية في غالبها الأعم تقنية وعلمية، يتوقف من حين لآخر مترجما لها بلغتنا الأم، متدرجا من الإفادات العامة إلى الخاصة والدقيقة، وموضحا بكون هذا المشروع جاء “نتيجة تضافر الجهود والموارد بين وزارة الفلاحة والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بنسبة 40 % ومجموعة إسبانية للماء “أمان البركة” بنسبة 60%، باستثمار يفوق 4 مليار درهم”.
قدم لنا خريطة المحطة، بدءا من قنوات جلب المياه وتصريفها، مرورا بعملية التصفية ومراحلها، وانتهاء بمحطات التخزين لاستيعاب المياه الصالحة للشرب أو الموجهة لتأمين سقي الضيعات الفلاحية.
تنقلنا بين وحداتها بسيارة المصلحة… بداية نحو حوض استيعاب ماء البحر، يتم جلبه عبر قناتين بقطر ثلاثة أمتار، وبطول 1100 متر للواحدة منهما… نزلنا بمعبر حلزوني عن علو البحر بستة أمتار، حيث توجد شبكات التصفية الأولية لإزالة الشوائب الكبيرة بعيون بين ثلاث سنتيمتر وثلاث ميلمتر، بعدها يتم نقل المياه عبر خمس مضخات قوية نحو “وحدة الترشيح الفائق”… نبهنا المهندس إلى ضرورة توخي الحذر وعدم التفرقة… ضجيج بالكاد نسمع حديث بعضنا، أنابيب بألوان مختلفة وبأحجام متفاوتة، متراصة ومثبتة بإحكام ودقة… وقفنا مندهشين أمام الثورة العلمية والتقنيات الحديثة… ننظر يمينا وشمالا، أذهاننا يتملكها فضول معرفي.. “هنا تتم أدق وأهم عمليات التصفية، بتطبيق ضغط عالٍ على المياه المعالجة، عبر أنابيب تحتوي على أغشية ذات عيون جد دقيقة لا تتجاوز 200 ميكرومتر لإزالة الأملاح المركزة والتربة الرملية، ثم أخرى بقياس 0.02 ميكرومتر لإزالة البكتريا والميكروبات…” هذه العملية يوضح لنا مرافقنا “تسمى علميا بتقنية “التناضح العكسي” (L’osmose Inverse)، وهي من بين التقنيات الأكثر تداولا في العالم لتصفية مياه البحر…”.
مناقشة هذا المقال