خلود زوجة الصحافي سليمان الريسوني تصرح :
“طلب مني عن طريق دفاعه أغطية ولباسا ثقيلا، لأنه يشعر بالبرد، وهذه بوادر الموت الذي أُرغم سليمان عليه”
عشت مع سليمان، تفاصيل صادمة خصوصا عند التحاقه بفريق تحرير جريدة أخبار اليوم،منذ ذلك الوقت،سنة 2018 ونحن نخضع للمراقبة،لدرجة أن المكالمات الهاتفية لسليمان، مع مجموعة من الشخصيات، كانت تسرب على شاكلة مقالات تشهيرية،ومنذ ذلك الوقت أيضا، بدأوا (النكافات)، بإلصاق تهمة الشذوذ بسليمان، بحيث نعته المحامي مغتصب الخادمة بالشاذ، وقد قال على أنه تربطه علاقة شاذة بالصُحفي توفيق بوعشرين ، والحقيقة، أن سليمان لم ير توفيق إلا مرة واحدة في بلاطو حضراه هما الإثنان رفقة وزير الإعلام، وناقشا خلاله العقوبات السالبة للحريات، ومتابعة الصحافيين بفصول القانون الجنائي، ومنذ ذلك الوقت لم يقابل سليمان بوعشرين، بل وعندما التحق بأخبار اليوم، كان آنذاك السيد توفيق مسجونا بتهم هي الأخرى جنائية، وقد رنت في أُذن سليمان إذاك عندما خاطبه مسؤول كبير في الدولة قائلا “راهم كيوجدو ليك منتف مع الرجال” لكنه مضى في التعبير عن أراءه بلا رجعة.
عشت مع سليمان، روح أخبار اليوم، التي أصابتها لعنة الانتقام، وكيف كان هو يدير المشاكل والصعاب داخلها، وإلى أي حد كان رجل توازنات لكي تستمر ويبقى طاقمها حيا، بالرغم من المآسي الإنسانية التي نزلت على رؤوس عامليها و صحافييها، أذكر أن سليمان، كان يحمل في قلبه فكرة الصحافة المستقلة متعبا شاردا، وعلى الدوام نائما في القطارات والموصلات، بعد انتهاء اجتماعات لجنة التضامن مع الصحفي توفيق بوعشرين بمدينة الرباط..
عشت مع سليمان، عندما كانت تقترب سيارة مسرعة على مقربة منه في الشارع العام ، أمد يدي وألفها على صدره، وأدفعه إلى الخلف وقلبي يخفق رعبا، عاش معي سليمان، إجهاضات متكررة وفي الشارع العام وعلى مكتبي وأنا أخط سيناريوهات للإذاعتين الوطنيتين، نتيجة التوتر والقلق الذي كنا نعيش فيهما، كنا نشيع جنائز أجنتنا في صمت، ونقبل عزاء بعضنا البعض ومضينا كالمعتاد بخطى مؤمنين بالحياة.
عندما علمت أنني حبلى بهاشم، لم يكن لدي الوقت لأخبر سليمان، نقلت على قسم الإنعاش مباشرة، كان الطبيب المشرف على حالتي، قد قرر ذلك، قناعة منه أن لهذا الطفل الحق في الحياة هذه المرة، ومنعت عني الزيارات، كان كالملاك الحارس، وصارما لدرجة غربية، وكل هذا من أجل هاشم، ولأنه كان يعرف أنني لا أعيش حياة آمنة.
يوم قبل ولادتي العسيرة، والتي كدت أفقد فيها هاشم، قصد بيتي عناصر من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وطلبوا مني أن أرافقهم إلى مقرهم، كان حينها مغص وألم الولادة قد وصلا حدهما، رفضت، لأن موعد ولادتي كان بعد ساعات، لكن الترهيب الذي عشته، وذلك بغرض الضغط على سليمان كان رهيبا جدا، لدرجة أنني غبت عن الوعي أثناء العملية نتيجته، و الذي لاحقني حتى وأنا في المستشفى… وُلد هاشم، وكانت فرحة لن تعاد، كبيرة كبر الكون، لكنها أجهضت بعد أيام، بعدما غادرت هاجر الريسوني بيتي نحو الرباط، لتعتقل في الشارع العام، وتتم متابعتها بتهمة الإجهاض، عندها قلت لسليمان، أن هذه الإشارة الثانية لك.
عشنا مأساة هاجر، كنت عندها لم أغير ضمادات جرح ولادتي، لكننا كنا واقفين كأوراق الصنوبر أنا وسليمان كل منا في جبة الإنسان المقهور ولا خيار لنا غير ذلك. بعد أيام وبينما ملف هاجر في يدي القضاء، قصدت بيتي مرة أخرى عناصر من الفرقة الوطنية، أذكر أن سليمان كان في مكتبه في البيت، وقصد الباب ليفتح، لكني رفضت، قلت له بابتسامة ساخرة، هؤلاء ضيوفي، أنا من سيفتح الباب، أتذكر نظرة سليمان، مكسورا مما يلحقني بسببه، وفي كل مرة يمسك يدي في شرود وصمت لا نهائيين، تكسرهما كلمة واحدة “سامحيني”، أمازحه “كلفة الشجاعة يا سليمان”…
عشت مع سليمان عندما كان يلتف حوله زملاء، طيبون، وآخرون يعيشون رهاب القمع بعدما اعتقل، زملاء بلا شك لو حدث معهم ربع ما يعيشه، لكان أتحف العالم افتتاحيات نارية وأرسل من خلالها رسائله المزعجة، وسيؤسس لجان تضامن معهم، وسيتقاسم ماله الخاص مع باقي المتضامنين، بلا شك كان سليمان ليفعل ذلك، ويعود إلي في نهاية اليوم كطفل محارب…
سليمان يموت الآن، يموت وحيدا، في زنزانة انفرادية، لا علم لي بوضعه منذ أسبوع، أعرف أنه لا يقوى على أي شيء، وأنه يحتضر، أعرف أنهم كانت لديهم رغبة في قتل سليمان، لأنهم كانوا سيقتلون هاشم وهو في بطني، أعرف كل هذا، وعشت كل هذا وصمتت على أشياء أخرى،ولن أترك سليمان.
مناقشة هذا المقال