عود على بدء،
على إثر استرداد الدولة لبريقها في العلاقة مع المقاربة التنموية بأبعاد إنسانية واجتماعية ، لا يسع كل مواطن وطني الا أن يثمن كل ما يتحقق من مكاسب لفائدة مصير الوطن ومواطنيه ، سواء تعلق باللحظة الوطنية أو الدمقراطية المنشودة ؛ و عوض الإنسياق مع غرور الفرح أو التبجح بانتصار عابر ، وجب تحصين المكتسبات بمأسسة الآليات ،
و ينبغي أن نحافظ على نفس الايقاع والحماس تجاه تعميم حماية الحقوق والحريات والنهوض بها على امتداد جميع التراب الوطني ، دون تمييز آو تفضيل ، ويستدعي ذلك توسيع هامش المرونة والحوار مع جميع مكونات البلاد عبر تعبيراتها السياسية والاجتماعية والثقافية ، بما يعني ذلك التفكير في بلورة نموذج تنموي بأفق معقول واستشراف لمستقبل بمقاربة عادلة ودمقراطية تراعي احترام الحقوق التاريخية والمكتسبة والمكفولة دستوريا و كونيا ، وفي هذا الصدد وجب اخراج المجلس الأعلى للأمن لكي يضمن نجاعة الرقابة على السياسة الأمنية في مجال السيادة وسلامة الوطن ، ضد مخاطر الاعتداء على الوحدة الترابية وضد الارهاب ، لأن مطلب تدبير علاقتنا بالخارج او الخوارج منشود على جدول أعمالنا الوطني في افق الاعداد لفك الارتباط مع كل أسباب التبعية والاستعمار ومنابع التخلف والتقليدانية ، من جهة ، ومن جهة ثانية لتنسيق أعمال الحكامة الأمنية داخليا تحت رقابة السلطة التشريعية والسلطة القضائية الوطنيتين ، وفق ما نص عليه الدستور وتسوية التقرير النهائي لهيأة الانصاف والمصالحة ، ويبدو أن الوقت مناسب لإجبار الحكومة على الترخيص عبر التصريح المنصوص عليه في الاتفاقيات ذات الصلة للجان الآممية بتلقي الشكايات مباشرة من ضحايا التعذيب والاختفاء القسري ، ولعل مطلب الآلية الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب الذي لم يفعل بما يكفي كفاءة وجدية ، في حاجة الى تأهيل وتجويد ودمقرطة ، للتأكيد عمليا بأن المغرب منخرط فعليا في مقتضيات القانون الدولي لحقوق الانسان دون اكراه أو ضغط، وبأن ذلك خيار وطني لا رجعة فيه وباعتبار أن المغاربة يستحقون ان ينعموا في وطن يؤطره القانون وتدبر شؤونه المؤسسات ، ولأن ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة مطلب يؤرق الجميع ، ولا يهم فقط ريف الوطن وصحرائه وأطلسه الكبير والصغير والمتوسط وما بين الهضاب والتلال والحدود ، بل يهم ايضا الهوية الجدلية والقيم الوطنية والتاريخ والذاكرة ، وكل مقتضيات العدالة والحرية والكرامة ، وجبر الضرر المناطقي والمجالي ، وفي إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة ، وربط النتائج بالأسباب ، يطرح مطلب تعديل الدستور نفسه بالحاح ، انطلاق من اقرار حرية المعتقد إلى رد الاعتبار والالزام للحق في التنمية (الصحة والتعليم والشغل ) وكل ما يرتبط بالحق في الأمن ضد الحاجة والخوف ، ولعل العملية السياسية تتطلب التحيين بمقتضى جيل جديد من الإصلاحات أبرزها دعم القوة الاستشارية القانونية للدولة ومؤسساتها العمومية ، وترشيد نجاعة الحكامة التشريعية وضمان الأمن القانوني والقضائي بالدعوة لتأسيس مجلس الدولة تنفيذا لتوصية والتزام الرسالة الملكية ليوم 15 دجنبر 1999 أمام القاضيات والقضاة المغاربة .
مصطفى منوزي محامي و رئيس منتدى الحقيقة والإنصاف.
مناقشة هذا المقال