بقلم ذ الحسين بوالزيت.
في هذا الكرونيك التاريخي السريع سنحاول التطرق الى حوليات التواجد البرتغالي بالجنوب المغربي واخص بالذكر هنا ثغر مدينة ماست الذي اخضعته البرتغال لسيطرتها سنة 1497. سنت البرتغالي في ثغر ماست سياسة الكيل بمكيالين في تعاملها في تجارها، ومن المعلوم ان ايت ماست في القرن الخامس عشر الميلادي كانوا مرتبطين باتفاقيات تجارية مع التاج البرتغالي تنص بنودها على شروط قيام المعاملات التجارية بين الطرفين وتنظيم سيرورتها ومراحلها، والتزامات كل طرف على حدة.
لقد دفعت التطورات المتسارعة التي عرفها سوس شيوخ واكابر ايت ماست الى توقيع اتفاقيات تجارية يتبين من بنودها انها فرضت من طرف واحد، وهو بطبيعة الحال الطرف المنتصر في المعركة التي وقعت بين الطرفين وهم سكان ماست والامبراطورية البرتغالية. انتصار جعل البرتغال تفرض شروطها على الطرف المنهزم ويظهر ذلك من قسوة بنود الاتفاقية ومنها التزام الماسيين بالسماح للبرتغال ببناء حصن عسكري خاص به على شكل حامية عسكرية، هذا الحصن يطلق عليه محليا اسم “البرج أورومي” ومعناه حصن النصراني أو المسيحي. وقد جرت العادة على إطلاق اسم “أرومي” والذي يعني ساكن روما أو الروماني في البداية. قبل أن يتم تعميمه على مواطني جميع الدول الأوروبية سواء كانوا مسيحيين أو لا. ويعود أصل هذه تسمية “أرومي” الى تاريخ احتكاك الامازيغ مع الإمبراطورية الرومانية التي تبنت الديانة المسيحية في مراحل تاريخية معينة ويصدق نفس الشيء على مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء الدين يطلق عليهم جميعا إسم “ساليكَان”، والدي يعني باللغة الامازيغية “س اونكَال” وسبب ذلك هوان السنغاليين كانوا أول شعب من دوي البشرة السمراء يحتك به الامازيغ. ونفس الشيء بالنسبة للأسيويين الذين يطلق عليهم الامازيغ جميعا اسم “أشينوي” أي الصيني سواء كان يبانيا او كوريا او غيره.
وبالنسبة لموقع الحصن فيوجد بالقرب من الوادي ويتميز بهندسته المختلفة عن بقية للمأثر التاريخية الموجودة في ماست كبرج اللمثوني في مدشر “تاسنولت” والذي يعود تاريخ بناءه الى الحقبة المرابطية، وحصن “تنضافت” والذي يعنى برج المراقبة أو مكان الحراسة والموجود بمدشر “ايداولون”، وذلك بالنظر الى المواد المستعملة فيه والتي تتمثل في الحجارة المصفوفة بكميات مهمة من مادة الجير والتاي تخلط مع الرمال، ومما يؤكد حداثة هذا الحصن هو مع وجود للبلاط على أرضيته، خلافا لما للمأثر الأخرى التي لا تكسى ارضيتها بالبلاط. أما سبب بناءه بالقرب من الوادي فترجع الى الظروف العامة التي كان المغرب يعيش على ايقاعها في القرن الخامس عشر الميلادي والتي تتميز بانعدام الامن والاستقرار. هذا الموقع يسمح بالهروب الى في اتجاه المحيط الأطلسي ادا قامت القبيلة بالتورة على الوجود النصراني. وبالنسبة للشكل الهندسي أسباب مختلفة، أمنية في المقام الأول، بحيث ان سكان الثغور المحتلة يمكن ان يتوروا في اية لحظة لذلك تم بناء الحصن بالقرب من الوادي لتسهيل عمليات الهروب في اتجاه المحيط الأطلسي. وبالنسبة للشكل الهندسي لأسس جدرانه والتي تأخد شكلا مستطيلا ممدود على طول الساحة المجاور للحصن. هذا الحصن ورد ذكره كذلك في الاتفاقية المبرمة بين العرش البرتغالي والقوى المحلية لماست.
تنص اتفاقية ايت ماست مع التاج البرتغالي على العديد من الشروط كما اسلفت القول فبالإضافة الى تسليم جوادين للتاج البرتغالي على رأس كل سنة تنص الاتفاقية على أن:
البواخر الملكية تكون معفاة من الضرائب سواء المحمولة أو غيرها إلى ماسبرا بينما البواخر غير الملكية والأجنبية تؤدي واجبات القوانين الجمركية المستعملة.
- إرسال بعثة برتغالية إلى ماست يسمح لها بشراء الفرسان وإرسالها إلى ملك البرتغال.
ممارسة الضغوط المتمثلة في اختيار موقع ومساحة بناء الحصن.
إرسال البنائين والجير بينما يقوم السكان والأهالي بتقديم اليد العاملة لنقل الأحجار والماء مع الاهتمام بالبنائين الى حين الانتهاء من بناء الحصن .
إعطاء المئونة للبنائين وجميع الجالية البرتغالية الموجودة بماست مع أداء أجور البنائين وعند نهاية بناء الحصن لن يسلم هذا الأخير لأحد إلا بإذن ملك البرتغال.
لا يمكن توقيع المعاهدة مع شخص آخر فيما يتعلق بالموانئ المستقلة عن المملكة البرتغالية إلا بإذن “الفيتور”، وتسلم له سكنى لائقة للاستقرار.
وفي انتظار توفر هذه الشروط فإن ملك البرتغال سيقدم امتيازات لأيت ماست والتي تتمثل في:
إن ملك البرتغال سيستقبل أيت ماست لمناقشة مختلف المواضيع والقضايا وبإمكانهم المتاجرة في البرتغال مع تأدية نفس الواجبات إسوة بسكان البرتغال.
لا يمكن ركوب البحر في بواخر برتغالية إلا بموافقة “الفيتور” من أجل ضمان الحماية لأيت ماست.
في حالة قدوم أيت ماست إلى البرتغال فإن رؤساء البواخر يحملون ستة أشخاص مجانا مع تقديمهم المئونة لهم. ” وتقع نفقتها على الملك البرتغالي.
على الماسيين تقديم 15 رهينة من أولاد وجهائهم إلى الملك البرتغالي، ويتعهد بمعاملتهم معاملة حسنة حيثما وجدوا في المملكة، ولكن تبقى المعاهدة غير مقيدة.
ولكن الى حد ستحترم البرتغال التزاماتها التي قطعتها مع أهل ماست؟
يتبين من السياسة البرتغالية انها كانت مزدوجة ففي الوقت الذي تتفاوض فيه مع ايت ماست في شخص شيوخهم واكابرهم، تغض الطرف على اعمال القرصنة والنهب الذي كانت سفن التجارية الماسية عرضت لها في المحيط الأطلسي من طرف القراصنة القشتاليين المتحالفين مع بع بعض القوى المحلية في ميناء مدينة أسفي، مما يضرب بعرض الحائط التزام المملكة البرتغالية بحماية السفن القادمة من الموانئ البرتغالية او تلك المنطلقة من مرفأ واد ماست النهري. سياسة الكيل بمكيالين البرتغالية تتجسد في تصرفات الفيتور والذي يعني في اللغة البرتغالية الوكيل التجاري المعتمد في المراسي الخاضعة للسيطرة البرتغالية، هذا الأخير يعمل على تسليط القراصنة على السفن التجارية المكثرات او الملوكة للتجار الماسيين، عند رفضهم تلبية مطالبه وابتزازاته المتكررة. وبالفعل لم لا يمكن للفيتور ان ينجح في مسعاه هذا لو لا المساعدة التي كان يتلاقاه من طرف بعض الشخصيات المحلية والتي لها مصالح متقاطعة مع “الفيتور”والقراصنة القشتالين الذي كان المحيط الأطلسي يعج به في هذه الفترة. ينضاف الي ذلك أوضاع المغرب المتميزة بالانقسام والضعف السياسي والأمني.
وتدريجيا أصبحت البرتغال في موقف حرج بفعل هذه السياسية المزدوجة، عندما ظهرت الحركة السعدية في سوس وتوجهها الى تحرير الثغور الأطلسية من الهيمنة البرتغالية، وقد شكل انضمام ايت ماست الحركة السعدية ضربة قاصمة للتواجد البرتغالي في سوس والاسباني في واد نول، في هذا الخضم اتحهت البرتغال الى عقد تحالف بينها وبين الاسبان والذين رأو فيه زواج متعة ولا يستند الى أسس قوية واستراتيحية، وكانت البرتغال ترغب في الاستفادة من الدعم العسكري الاسباني الموجود في نول لمطة وعاصمتها تكَاوست، لصد هجمات الحركة السعدية الناشئة والتي تستعد للتخليص الثغور الأطلسية المتاخمة لسهل أشتوكن وأزعار(يطلق هدا الاسم على العديد من مناطق في المغرب، ويعتبر التسمية الاصلية لسهل الغرب قبل الفترة الكولونيالية، انطر المصطفى البوعناني: الازغار والغرب، إشكالية التسمية وتحديد المجال، مجلة الآداب والعلوم الإنسانية، العدد 04، 2004، ص 09-39. كما تحدث عنه الباحث المجد محمد مسكيت، عندما قال: سهل تزنيت: ينطلق سهل تزنيت من ضفاف وادي ماسة حتى أطراف الأطلس الصغير. وتحدهّ غربا الهضاب الساحلية «لأگلو” و”الساحل” وجبل “إنتر” فيما يحده شرقا مرتفعات “وارزميمن” و”إغير ملولن” وواد “أساكا”. تشير إليه الكتب الإخبارية والنوازل الفقهية “ببسائط جزولة” ويرد في المراسلات المخزنية تحت إسم “فحص تزنيت” أو “وطاء تزنيت” وقد تجمعه في بعض الأحيان مع “سهل اشتوكة” وتسميه “بالساحل”. ونجد تنوعا كبيرا في الأسماء التي أطلقتها عليه المصادر الفرنسية خلال القرن 19 وبداية القرن 20: “سهل ماسة” و”أزغار إداولتيت” و”وسهل تزنيت” و”أزغار ن تاسرا”، نسبة بدون شك لنبات جذري “صاقونية” ما زال انتشاره واسعا وقد شاع احتمال استعمال جذوره قديما كصابون بالمنطقة. وتردد في التقارير الرسمية للحماية تحت اسم “أزغار” أو السهل. و”أزغار” كلمة أمازيغية تستعمل للدلالة على السهل الشاسع، ارتبط في تاريخ المغرب بالترحال وتربية الماشية، لكن يبدو أن ساكنة المنطقة زاوجت فيه بين الانتجاع والزراعة. أنظر محمد مسكيت، الماء والفلاحة في منطقة سوس فترة الحماية، سهل تيزنيت نموذجا، اشراف احمد مهدرها كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مراكش، الموسم الجامعي، 2019-2020، ص 12، (نسخة مرقونة).) مما عجل بهزيمتهم وتخليص ثغور المنطقة من هيمنتهم وسياستهم المبنية على الكيل بمكيالين والتشنج العنصري.
الحسين بوالزيت
صحفي وباحث في التاريخ.
يليه، يهود منطقة واد ماست…
والطبونوميا البحرية، حفريات لغوية أمازيغية
صور موقع البرج أورومي، أو الحصن البرتغالي.
مناقشة هذا المقال