بقلم الاستاذ :فيصل عوام
ياك ايغوليدن كــوتن ءيزورانـو ن ازنزارن
عاشوراء في دلالتها اللغوية هي اليوم العاشر من محرم , ويسمى ايضا العاشور والعاشوراء , انها مناسبة للاحتفال بذكرى مقتل الحسين واستعادة له , فقد تحول هذا الحدت الفاجع الى احتفال ,فمن الناحية التاريخية وبعد مقتل عمر بن الخطاب واختيار عثمان بن عفان خليفة على المسلمين , الامر الدي لم تقبله بعض الفرق الشيعية , والدي لم ينج هو الأخر من سكين الغدر ,ليتولى علي بن ابي طالب الخلافة بعده لكنه لقي نفس المصير , استغل معاوية هذا الوضع ليحدث نظام الوراثة ودلك باخد البيعة لابنه يزيد مستعملا أساليب الترهيب والترغيب في تحويل الخلافة الى ملكية وراثية مطلقة ,بحيث أرسل رسله الى الولاة لمبايعته وقد إستجاب معظمهم ,وحينما وصلت الرسل الى المدينة ثار الحسين ابن علي ورفض البيعة ليزيد وتوجه في قلة من أنصاره واهل بيته الى العراق بدعوة من شيعته هناك , فتصدت له جيوش يزيد بقيادة شمر بن دي الجوشن وقضت على الحسين ومن معه في موقعة كربلاء ,بعد ان قطعوا الطريق على الحسين وأتباعه ,وتم حصارهم ومنعوا من الماء والطعام حتى مات من مات منهم .وقد شكل هدا الفعل التاريخي مأساة وأعمق تجربة عرفها المسلمون ,وتعد التعازي الشيعية التي يقيمها الشيعة خلال الايام العشر الاولى من شهر محرم بمثابة تخليدا لذكرى آلام الحسين واستشهاده في موقعة كربلاء .
يبقى صيام عاشوراء من باب الاستحباب فهو سنة مؤكدة وليست بواجب فعن ابن عباس ان الرسول قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم ماهذا اليوم الدي تصومونه قالوا يوم عظيم ,نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه ,فصامه موسى شكرا ,فنحن نصومه ,فقال الرسول فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه .فمند تلك اللحظة التاريخية دخل صيام عاشوراء باب الافضلية والاستحباب ,من شاء صامه ومن شاء تركه .
تكتسي عاشوراء مكانة متميزة في الثقافة المحلية لساكنة مدينة تزنيت , بحيث تشهد المدينة خلال هده المناسبة معتقدات و طقوس احتفالية تنطوي على تقليد ومحاكاة الحياة الواقعية ,متأصلة وراسخة في مخيلة الانسان التيزنيتي ياخدها الخلف عن السلف وتستمر رغم فناء الافراد الدين يكونونها , طقوس تستمد قوتها من خلفيات فلسفية واجتماعية وثقافية , فابتداء من فاتح محرم الا ويتغير ايقاع الحياة اليومية للأفراد بحيث تمنع مجموعة من السلوكيات والممارسات التي لايجب الاقتراب منها لأسباب معتقداتية تقديسا لهذا الشهر ومن جملة ما يتم تحريمه تحريما مؤقتا (غسل الملابس , تقب الادنين بالنسبة للفتيات , الاعراس , اشغال البناء …)انها امور يتم تعليقها الى حين انتهاء يوم تاسع محرم وبإحراق تيفدودا او تيمعشار أي الشعالة التي تعد هي الاخرى طقس تتميز به مدينة تزنيت الى جانب المدن المغربية الاخرى خلال عاشوراء , دلك ان الشباب والأطفال يقومون بجمع الحطب خصيصا لهدا الغرض وبعد صلاة المغرب ليوم التاسع من محرم , يجتمع الكل في الاحياء الشعبية والساحات العامة في انتظار حدت احراق تيمعشار , وعند عملية الإحراق ترى الأطفال يتناوبون في القفز على هذه النار بأصواتهم وصيحاتهم المعبرة عن فرحهم في حضرة الرجال والنساء والفتيات بزغاريدهن ,وفي نفس الوقت النساء يقمن بتسخين الماء على هده النار ودلك في اعتقادهن انها مياه البركة , التي يغتسل بها وجه الطفل لتتجنبه قوى الشر وتبتعد عنه وبخاصة في هده الفترة بالذات التي تكتر فيها الكائنات ماوراء الطبيعة ,وتعود الحياة الى مجراها العادي بعد ان يصبح حطب الشعالة رمادا , انه اعلان لكي تمارس الجماعة اعمالها واشغالها بشكل طبيعي خصوصا تلك التي تم تعليقها ومنعها بل وتحريمها خلال الايام التسعة من محرم .
“تقسراي” هي موائد جماعية , تجتمع حولها العائلة الممتدة بالمعنى السوسيولوجي للكلمة تقام ليلة عاشوراء , وتتكون من المواد المتداولة في نمط عيش الساكنة من بيض و كسكس وتمور وسمن , وفي حالة وجود عروسة لم يمض على زواجها سنة كاملة , فيتوجب عليها اخد هده الوليمة الى اهلها ليأكل منها الرجال والنساء وحتى الاطفال , كما يطفو الى السطح طقس اخر (اصروض اغردا) بمعنى طرد الفئران بحيث يتشكل الموكب الدي يشارك في هدا الطقس من الفتيات والاطفال الصغار والنساء مدة لاتقل عن ثلاثة أيام مرددا أشعارا نظمية تحمل بين ثناياها الرمزية أكثر من الواقعية ( نصرض اغردا اولا تزكي ,نصرض ابوهيوف سي ءيحاحان ,نصرض الخير سدارنغ امين ,نصرض اغردا اولا تزكي اولا لاوباش غ ضرانين )والمعنى المتضمن في هده الاهازيج هو اننا نطرد الفئران من بلدتنا ومعها كل الحشرات الضارة ,التي تجلب لنا المضرة عبر الاتيان على المحاصيل الزراعية , وسيناريو الاحتفال يبدا بعد احراق تيفدودا وكدلك تناول وجبة “تقسراي” ليجتمع الموكب في الساحة التي شهدت حدت الاحراق لينطلق الموكب في اتجاه مكان خارج السور التاريخي للمدينة وهو يردد الاهازيج المصاحبة لإيقاع اللحن , واثناء الوصول الى عين المكان ,يتم الرجم بالأحجار تلك الحشرات التي تسكن مخيلة المشاركين في الموكب , وبعد عود ته إلى نقطة الانطلاق , يجتمع الكل ويردد ادعية ليوفقهم الله في ما قاموا به , طالبين من الله ان ينعم عليهم بالخيرات والنعم .
بعد الانتهاء من هدا الطقس الدي يدوم مدة تلاتة ايام متتالية , ففي اليوم الرابع يحضر المشاركون في الموكب والاطفال المرافقين له , الى الساحة العامة ليتسابق الاطفال في نزع غطاء الراس لامرأة من بين النساء الحاضرات , شريطة ان يكون زوجها ابن عمها منتميا الى لحمها ودمها , ومن سبق في خلع هدا الغطاء ,يؤمر بان يأتي بالصوف في منزلهم ,ليوضع داخل الغطاء على شكل كومة , وياخدها الاطفال الى مكان مخصص للحصاد خارج المدينة ليلعبوا بها ,والموكب المتشكل اساسا من النساء يلجا الى طلب الدقيق والزيت والسمن من المنازل ,كمواد اساسية لإعداد أكلة لصالح أولئك الأطفال الدين ينتظرون ويمنع عليهم العودة الا بعد ان يكون دلك التوب مقطوعا عن اخره .كما تعرف مدينة تزنيت العتيقة طقس “اوركيمن ” خلال مناسبة عاشوراء وهي وليمة جماعية بين عائلات متعددة ,تقام في ساحة شعبية خارج المنازل بحيث تساهم كل عائلة بنوع من القطاني ( الشعير ,القمح ,العدس ,الدرة . قطع لحم اضحية عيد الاضحى اوما يسمى باللهجة المحلية ب لحق نتغارين ),هده العادة المترسخة في الثقافة التيزنيتية تقوم على اساس طهي طبقين الاول يوضع فيه الملح وتجتمع عليه الجماعة في مقابل الثاني الدي يطبخ بدون ملح يتم اعداده لصالح الجن وبالتالي وفي الاعتقاد السائد انه لن يؤد احد, وبخاصة كما سبق الدكر ان هده الكائنات الفوق طبيعية يكثر أداها خلال عاشوراء التي تعرف أنواعا متعددة من الشعوذة والسحر ففي اليوم العاشر من محرم تلاحظ الساكنة المحلية تلجا الى كحل العينين بالنسبة للجنسين الدكر والانثى , ودلالة دلك في الثقافة المحلية بان من قام بهدا الفعل سيتجنب قوى الشر ومفعول السحر والسحرة يسحرون اعين الناس وعاشوراء هو اليوم الدي انتصر فيه موسى على سحر فرعون ,لدلك فكحل العينين يجد تبريره في تفادي السحر الدي يكثر خلال هده المناسبة ,هدا الى جانب اقتناء مختلف انواع البخور لفسخ هده التاتيرات السحرية القوية الاتر في هده الفترة بالذات . لكن والحال ان عاشوراء ادا صادف موسم تقل فيه الأمطار أو تنعدم ,فان تيزنيت تلبس حلة جديدة من الطقوس التي تنضاف الى تلك التي تطرقنا إليها كطقس “علايترجان” و “بلغنجة ” فالأول يتعاطى له الشباب والكهول في حين ان الثاني يمارس من طرف النساء والفتيات ,وهدان الطقسان يقومان على أساس طلب الغيث والمطر .
هده الطقوس والتقاليد الموروثة جيلا عن جيل ,انبثقت من تجارب الجماعة فبدونها لايرجى للحياة الاجتماعية ان تسير في مجراها الطبيعي ,فهي تؤدي وظائف حيوية تتلاقى في تنظيم المجتمع والحفاظ على تماسكه .
يتضح إذن من كل ماسبق ان عاشوراء لها خصوصياتها ومميزاتها من الناحية السوسيو ثقافية للساكنة المحلية لتزنيت ,غير انها لاتقتصر على هده القضايا فقط بل تتعداها الى احتفالات ،احتفاءا بهده المناسبة كفرجة امعشار التي انتجها المخيال الجماعي للساكنة ولها دلالتها الدينية والاجتماعية والثقافية بل وحتى الفلسفية ,الى جانب المعتقدات الطوطمية التي تزخر بها.
فرجة امعشار
ويبقى احتفال امعشار من بين الاشكال التعبيرية ذات الطابع الفرجوي ,بحيثياته وأهدافه ومقاصده ,معتمدا في دلك على القناع وتقمص ادوارا لشخصيات أدامية أو حيوانية ,كوسيلة للتعبير بكل حرية عن هموم الانسان المحلي في علاقته بالجار المسلم من جهة والاخر اليهودي من جهة اخرى .انه شكل تعبيري مازال صامدا امام التحولات التي طرأت على مستوى القيم الاجتماعية والثقافية بالمدينة .
امعشار صيغة جمع مفردها امعشور ,وهو الممارس في الفرجة ,والاصل الايتمولوجي لكلمة امعشار هو عاشوراء ,كمناسبة دينية لها مرجعياتها التاريخية ,يحتفل بها في المجتمعات الاسلامية والعربية تخليدا لموقعة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي , ومؤنته تيمعشار او تامعشورت وهي النار التي يتم اشعالها في تاسع محرم احتفاءا بهده المناسبة ,زمنيا تبدا فرجة امعشار ليلة عاشوراء وتستمر اسبوعا كاملا , ودلك في الساحات العامة بالمدينة القديمة لتزنيت .
كل مقاربة انثروبولوجية للفرجة تقتضي استعراض تاريخها ,رغم انه من المؤكد ان هدا الاحتفال استحال على الباحثين تحديد تاريخ ظهوره ونشاته نظرا لغياب وتائق يمكن الاهتداء بها ,غير ان ما هو معلوم ان المدينة تعرف وجود فريقين يتقاسمان الفرجة الاول منتم الى احياء اداكفا في مقابل الثاني المنتمي إلى أحياء ايت محمد , وهدا التقسيم يجد تبريره في تقسيم المدينة الى عدوتين يفصلهما واد توخسين ويشتد الصراع بين هداين الشطرين على كافة المناحي والاصعدة ,ما يجعل التنافس بين الفريقين حاضرا وبامتياز . وكل فريق يضم عناصر يشترط فيها بلوغ سن الرشد فالأطفال محرومون من اللعبة اللهم بعض المحاولات التي يتم تقليدها من طرفهم , اما الاستعدادات فتبدا مباشرة بعد عيد الاضحى حيث يتم جمع جلود اضاحي العيد فضلا على الملابس البالية كالجلباب والسلهام .. الى جانب مواد اخرى الكارتون ,لفدام , ريش الدجاج ….وكل ماله علاقة بالمعيش اليومي للساكنة , كل هده الاشياء يتم جمعها في بناية (تيكمي امعشار) بداخلها يتم صنع الاقنعة وجعلها مستودع الملابس والإكسسوارات المعشارية وصنع المجسمات الحيوانية ويكون العمل بشكل جماعي في صنع الأقنعة التي تجسد إما شخصية أدامية أو حيوانية .
لقد عاش اليهود والامازيغ حقبا مشتركة , وغالبا ما تتميز بالصراعات على مر التاريخ , مما ادى الى تمثل صوره اليهودي في فرجة امعشار بحيث تحضر شخصيته في الفرجة بشكل قوي ( الحزان ,اشميحة ), لكون التواجد اليهودي على الأرض المغربية له تاريخ عريق , أدى إلى وجود علاقة تأثيرية بين الامازيغ من جهة والطائفة اليهودية من أخرى ,هده العلاقة جعلت صورة الأخر اليهودي تتشكل في أبعادها الذاتية والموضوعية ,لقد تاتر المغاربة في رسمهم لصورة اليهودي بما جاء في القران والسنة وبما ورد في الثقافة العربية والمتخيل الشعبي , فرغم الصورة التي يتصف بها اليهود باعتبارهم الكفار المتمردين على أنبياء الله , إلا أن القران أمرنا بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن , وبالتالي فالحضور اليهودي في الفرحات الشعبية بصفة عامة وفرجة امعشار بخاصة , تحكمت فيه عوامل تاريخية ودينية واجتماعية وثقافية , كما أن الفئة اليهودية التي تسكن الحي السكني الخاص باليهود (الملاح) تتميز بمهارة حرفية وإتقانها لمهن مختلفة مرتبطة بالحياة اليومية كا التجارة والعطارة … ما جعلها تنصهر في الحياة الاجتماعية وبالتالي أضحى من السهل توظيف الشخصية اليهودية في الفرجة الشعبية .
الإعلانات
مناقشة هذا المقال