بقلم مهدي الرحالي.
التنشئة الرقمية معناها الوسط الذي ينشأ فيه الطفل، حيث يكون محاطا بالإنترنت والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي من كافة الاتجاهات، هذا المفهوم يحيلنا الى أن نبحث عن تاريخ نشأته، وكيف تطور، وهل المغرب أخذ هذه النقلة النوعية والفاعل الجديد في اطارالتنشئة الاجتماعية للمواطن المغربي بعين الاعتبار. التلفزيون بمفهومه الأصلي او بمفهومه العلمي أو التقني فكرته الأولية تعود لتاريخ 1884م، تلاه بعدها تنقيحات وتطويرات وتعزيز ها ببعض الاختراعات إلى أن وصل عصره الذهبي في خمسينات القرن الماضي، وفيما يخص الطفل فلقد شهدت الأفلام والمسلسلات الكرتونية رواجا منقطع النظير حول العالم، هذه البرامج فرضها منطق الربح والاستثمار في باقي فئات المجتمع التي تقدر على حجز التلفاز لفترات متنوعة، وكان الأطفال يشكلون سوقا استهلاكية كبيرة و ملفتة لجل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين، حيث لوحظ تأثر الأطفال بالمعروض والبالغين بما كانوا يشاهدونه في طفولتهم، الراديو كان أيضا كان حاضرا إلا أنه هو والبرامج التي كان يذيعها كان حكرا على البالغين، أي كان ذو تأثير مهمل على الطفل. مواليد أخرى ازدادت في الحياة الرقمية المدنية، كالشريط المغناطيسي الذي سجل الصوت أولا ثم الفيديو لاحقا، لم يكن متاحا بأغلب البيوت إلا أواخر السبعينيات، حيث كان متنفسا حصريا للخواص بمجال الميديا، فبسبب هذا الانفراج راجت الأفلام الكرتونية والهوليودية والبوليودية والصينية، والمحاضرات العلمية والدينية والسياسية، دون ان ننسى الثورة الموسيقية التي انتشرت في جميع أنحاء العالم ووصلت أوجها التسعينيات، لكن في بداية القرن الحالي سرقت الأقراص المضغوطة مجد الشريط المغناطيسي، وأصبحت رافعة الإنتاجات التي كان الشريط وسيط نشرها لمدى عقدين، وصولا لما لنا من إمكانيات الان لحفظ المعلومات و تخزينها. وجدت مزايا الانترنت صداها في أنحاء العالم، حيث كان قفزة في مجال التواصل والاتصال على الصعيد العالمي، وقد لقي اهتمام نفس الفئات التي اهتمت وأبهرت بالتلفاز، لكونه أصبح وسيلة أخذ وعطاء، حيث أصبح في وجه العموم التواصل مع مواطنين في دولة أخرى، ومع مؤسسات وباحثين ومفكرين وجامعات، وكذلك الوصول لمحتوى مختلف ومتنوع وحسب الطلب من جميع أنحاء العالم، و مؤخرا أصبح أيضا ما يسمى التواصل الاجتماعي، لكن مراقبة الأنترنت كان ولا زال أمرا جد صعب، تتلقى وتتوازى، تتوافق وتتعارض فيه المصالح والتوجهات السيادية للدول والشركات و المجتمعات . شهد المغرب تطورا كبيرا في كل ما هو رقمي، إذ كان التطور ملحوظا بالتلفزة والصحافة والإعلام والصناعة السنيمائية والإنتاج الفني والتواصل الاجتماعي لكن عدم تخصيص محتوى للطفل يجبر على تذوقه، جعل من الطفل يتطفل على محتوى يحرق مراحل بناء وعيه ومعارفه، ويتشبع لا وعيه بأفكار لا يستطيع وعيه ومستوى ادراكه معالجتها ولا تمييزها، تصبح سلوكيات في طفولته مصدرها مبهم وقد ترافقه حتى بعد بلوغه، وقد ترقى لظاهرة مجتمعية يتميز بها جيل أو أجيال بأكملها، وهذا ما يفصل فيه جيدا تخصص علم النفس الاجتماعي، فلا أحد ينكر الصفات والأخلاق الحميدة التي تخلقت بها أجيال بالمغرب بل في الوطن العربي ككل، يرجع الفضل فيها لمسلسلات و أفلام كرتونية قد بثت عبر التلفاز. هذه الميزة الإنسية لترويض المجتمع سيف ذو حدين، لأن هذه النتائج كانت بفضل إذاعات ومنصات كانت مستوعبة للأمانة التي بين يدها، فسخرت إمكانياتها لبتر وتحريف وإعادة كاتبة المشاهد المخلة والمنافية للدين والأخلاق الإسلامية وللآداب العامة، لكن إذا ما لاحظنا ما يستهلكه الطفل اليوم من التلفاز، نجد ظواهر سلبية كثيرة تكون إما تكرير لأفلام و مسلسلات منتهية الحقوق دون تنقيح ومراجعة، أو تسويق لأنظمة سياسية أو لإيديولوجيات ومذاهب دينية تحت غطاء تربوي أو كرتوني، إذ لا نجد للطفل المغربي حصن يحميه من هذا المد و الصراعات التي لا ذنب له بها، بل ولا تراعي حتى خصوصيته الثقافية والحضارية الجغرافية منها والمذهبية و الوطنية، حيث يفقد تلك المقاومة الطبيعية التي تجعل لنفسه هوية، حيث يتم كسر الارتباط الطبيعي بين ما هو جغرافي و فكري أو إيديولوجي للطفل، الذي يجعله طوال حياته صفحة قابلة لإعادة الكتابة من طرف أي جهة لها القدرة على التسويق الجيد لنفسها، لتعيد له تحديد معايير التفكير والسلوك، أو بشكل أدق و أعم بنفس الوقت إعادة تحديد المرجعية. فحماية الهوية تبدأ من حماية التنشئة الرقمية، هذا يحيلنا إلى تساؤلات حول تنشئة الطفل، فيما يخص التنشئة الرقمية،. لماذا لا يقترح إنشاء قناة كرتونية للطفل المغربي؟ ولماذا لا نجد قناة تعليمية ترافقه محتوياتها حتى مروره المرحلة الثانوية؟ وما إمكانية الاستثمار في هذين القناتين المفترضتين مع القناة الثقافية لجعلها رافعة للوعي لدى الطفل المغربي مشروع مواطن الغذ ؟
تم نشر هذا المقال بموقع مركز الاخبار الدولي العراقي (CNNI).
مناقشة هذا المقال