ما ان وضعت الانتخابات اوزارها حتى نعود ونكرر نفس السؤال ما قيمة الانتخابات في غياب ثقافة ديمقراطية حقيقية لدى النخب السياسية ؟
وفق المنطق الديمقراطي فالانتخابات هي منافسة بين احزاب سياسية ذات برامج ومرجعيات معينة من اجل الوصول الى سلطة التدبير لتطبيق برامج محددة سلفا بمثابة عقد بين الحزب السياسي و المواطن . للأسف, فهدا المعطى الديمقراطي غائب في انتخاباتنا تماما , نحن نعيش في المغرب عملية ظاهرها انتخابات وباطنها حرب شرسة بين كائنات انتخابية للظفر بمناصب وامتيازات مادية محضة . وهو ما يعني ضمنيا غياب مفاهيم كالبرنامج الانتخابي و التمايز الحزبي و المنافسة الشريفة وتكافئ الفرص .
نحن نفتقد للتمايز الحزبي اي وجود احزاب وتيارات مختلفة في مرجعيتها الفكرية و توجهها و توجهها السياسي . مما يعطي للمواطن فرصة الاختيار بين نظريات متعددة تحدد مستقبل البلد. في بلادنا لا يوجد تمايز حزبي حقيقي فجميع الاحزاب سواسية في الممارسة السياسية , قد يصنفون انفسهم نظريا كونهم اشتراكيون او ليبيراليون او اسلاميون او غير ذلك لكن في خطابهم وممارستهم للسياسة يفضحون انفسهم. فلا فرق عندنا بين الاحزاب الكل يرى ان الوطن فريسة يجب ان ينهش منها الجزء الاكبر .
نتيجة لغياب التمايز الحزبي يغيب كذلك البرنامج الانتخابي, ذلك ان الامر مرتبط ارتباطا وتيقا بالمرجعية الفكرية و السياسية للحزب . ففي كل الانتخابات لا يأبه المواطنون كثيرا للبرنامج الانتخابي لمعرفتهم انه لا يقدم و لا يؤخر و هو كغيره من برامج الاحزاب الاخرى .البرنامج الانتخابي عندنا اسطوانة مشروخة وحكاية مملة يتحفنا بها المترشحون حتى حفظناها و مللناها وكرهنا الانتخابات بسببها .في البلدان الديمقراطية يعد البرنامج الانتخابي حجر الزاوية في اي استحقاق انتخابي لأنه تعاقد بين الحزب و الشعب, اما عندنا لا يعدوا ان يكون ديماغوجية تزين بها منشورات الحملة الانتخابية .
كما اننا نفتقد المنافسة الشريفة بين احزاب سياسية هي اقرب في سلوكها لعصابات سياسية تتقاتل من اجل المناصب و المصالح المادية الضيقة. اصبح المال هو المتحكم في الخرائط الانتخابية, فمع استفحال ظاهرة المال السياسي وشراء الذمم و الرشاوي اصبح المال هو المحدد الوحيد للنجاح في الانتخابات كلما صرفت اكتر كلما كانت حظوظك اكبر . كما ان بعض المترشحين لا يجدون حرجا في تسخير ممتلكات الدولة في الدعاية لأنفسهم و احزابهم و ما يعني ضمنيا غياب تكافئ الفرص بين المترشحين .
ان ما وقع في انتخابات 4 شتنبر الماضية فضيحة مدوية لواقعنا السياسي البئيس , لأول مرة ظهرت الرشاوي بالملايين و الملايير تزامنا مع تطبيق التقسيم الجهوي الجديد .بهذا اصبحت الانتخابات استثمارا مربحا جدا للنصابين و المحتالين و عديمي الضمير و الحس الوطني .
لا احد من المسؤولين يفكر مستقبل هذا البلد و شباب هذا البلد .الكل منشغل بكعكته من الانتخابات و يحرص حرصا شديدا على الاحتفاظ بها الى الابد. ومن مظاهر تأزم الوضع ان وزراء و قياديين في احزاب كبيرة ضحوا بالوزارة لترأس جهة, و اصبحوا لا يرون ضيرا في الجمع بين الوزارة و رئيس الجماعة . انه التأزم و التخلف بعينه يكتوي بناره شباب هذا البلد الباحث عن كرامة اصبحت بعيدة المنال.
لقد خطفوا بلادنا وليسوا غرباء, انهم منا ومن بني جلدتنا, حرمونا من الحياة بكرامة, حرمونا من حب الوطن, حرمونا من كل شيء .
ارجو ان يتفاعل الجميع مع هذا الموضوع الهام من خلال نقاش جدي ومسؤول .مقال بقلم جكار لحسن
مناقشة هذا المقال