لم تكن الفضيحة التي فجرتها عمدة الرباط بخصوص الموظفين الأشباح مفاجئا لمناضلات ومناضلي الاتحاد الوطني للدكاترة المعطلين حتى وإن أصابت المجتمع المغربي بالذهول والحيرة والأسى وأضحت وباتت قضية رأي عام وطني ما أثير حولها من جدل واسع في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي مما اعتبر فضيحة إدارية مدوية بكل المقاييس عابرة للقارات تعطي نموذجا سيئا لمسمى الحكامة الجيدة والإدارة العمومية بالمغرب، سيما وأنها تصريحات واعترافات صادرة من مسؤولة منتخبة وصاحبة مركز قرار ومحسوبة على الطبقة الحاكمة على غرار تصريحات سابقة لوزراء ونواب برلمانيين ومسؤولين حكوميين سابقين عن ظاهرة الموظفين الأشباح التي نخرت الوظائف العمومية كما ينخر السوس العظام.
وفي الواقع، فإن ظاهرة الموظفين الأشباح تسري في جل المؤسسات العمومية سريان السم في الجسد وليست حكرا على قطاع دون غيره وإن تفاوتت درجة حدتها، فقد كشف الوزير السابق للشؤون العامة في تصريح له عن أن عدد الموظفين الأشباح في الوظيفة العمومية لا يقل عن تسعين ألف موظف شبح يتوزعون بين الإدارات والمؤسسات والجماعات والبلديات والقطاعات الحكومية… في تحد سافر للقوانين التي يعتقد أنها معمول بها، والأدهى من ذلك والأمر، أن البرلمان نفسه كمؤسسة دستورية وتشريعية وتنفيذية لا يخلو من موظفين أشباح، وبذلك يستمر مسلسل إهدار الميزانية المالية العامة للدولة المغربية، إذ تصل الخسائر إلى الملايير من الدراهم سنويا، وتقف الحكومة الحالية ومثيلاتها السابقة عاجزة عن محاربة هذه الظاهرة حتى وإن رفعت شعار الإصلاح الإداري بل كلما أتت حكومة إلا ولعنت أختها.
وليست وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بمنأى عن هذه الظاهرة بعد مسلسل الفضائح الأخلاقية والإدارية والمالية دعت الضرورة إلى مسائلة الوزير المعني في البرلمان. وإلى عهد قريب، تلقى رئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك شكاية من اللجنة المركزية لحزب الكتاب ضد رئيس الحكومة الأسبق ووزيره في التربية الوطنية والتعليم العالي من أجل فتح تحقيق معهما في قضية التستر على جريمة هدر المال العام تصرف كرواتب شهرية على أساتذة جامعيين أشباح بعضهم يقيم خارج أرض الوطن… مما ينعكس سلبا على جودة التعليم والتكوين والتأطير، وبدل أن تنخرط الوزارة في محاربة الفساد الإداري تنشغل بمناظرات جهوية يروج أنها تقام بمبالغ مالية خيالية تصل إلى مليون درهم للمناظرة الواحدة.
فضلا عن ذلك، تعتبر ظاهرة الموظفين الأشباح التي قد تعد استثناء مغربيا بامتياز شكلا من أشكال الفساد الإداري المركب يمتد إلى ما هو اقتصادي وأخلاقي واجتماعي، يضرب قيم التربية على المواطنة عرض الحائط، ويشهد على الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة (2018 ـ 2021) بالفشل الذريع ويحكم على تحولاتها الهيكلية ودعاماتها الرئيسية وآلياتها التنفيذية بالانتكاسة والتردي والنكوص، سيما وأن هذه الظاهرة المشينة تعرف تسلسلا هرميا من لدن جماعات الضغط (لوبيات) تجمع بينهم أواصر العقيدة أو الغنيمة أو القبيلة علما أن خمسة وعشرين في المائة %)25( من مجموع الموظفين في المغرب هم أميون.
وأمام هذه المعطيات الصادمة والتقارير الصحفية والتصريحات الموثقة للمسؤولين وما يصدر من عندياتهم من اعترافات داخل مراكز القرار، تبرز معادلة غريبة يصعب فهمها ويعسر تعليلها؛ ففي الوقت الذي تعرف فيه المؤسسات العمومية وظائف شاغرة وتعاني من خصاص مهول ناهيك عن استشراء ظاهرة الموظفين الأشباح واستفحال كل مظاهر الفساد في الوظيفة العمومية… يقف الدكاترة المعطلون ـ الذين أفنوا أعمارهم في الدراسة والتحصيل العلمي والحاصلين على أعلى شهادة أكاديمية معترف بها عالميا في الشارع لأزيد من ثلاث سنين ـ عرضة للقمع والتنكيل والسحل والاعتقال والسب اللفظي وغير اللفظي رغم الاحتجاج السلمي الحضاري الذي يكفله الدستور والقوانين الوضعية والعهود الدولية… إذ لا حوار يعلو على التهديد والوعيد والتسويف والتماطل.
فاتنا أن نسجل ـ كدكاترة معطلين ـ أن التحديات الكبرى التي تواجه هذا الوطن الجريح ليست هي مزاعم نقص الموارد الطبيعية، أو هرطقات التأثر بالسياق الإقليمي والدولي أو دعاوى الجفاف… وإنما مظاهر الفساد الإداري والابتزاز والانتزاع والمحاباة والمحسوبية والزبونية واستغلال النفوذ وشراء الذمم وتدني مستوى الديمقراطية وارتفاع منسوب البيروقراطية والكليبتوقراطية وضعف الشفافية السياسية والتقشف الاقتصادي على حساب الطبقة الوسطي والكادحة وعدم الالتزام تجاه المجتمع وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الريع السياسوي حتى غدا المنصب المالي مكافأة سياسية يتم توزيعها لاعتبارات الولاء وتقديم الخدمات الخاصة.
وبناء على ذلك نعلن للرأي العام الوطني ما يلي:
ـ عزمنا على مواصلة النضال الميداني التصعيدي المفتوح على جميع الاحتمالات، واستئنافنا للأشكال النضالية الأكثر تصعيدا في الأيام القليلة القادمة.
ـ تمسكنا بمطلب الانتداب في الجامعات المغربية والمؤسسات العمومية بما يتناسب والسلم الاستدلالي لشهادة الدكتوراه وأن إخلاءنا لشوارع الرباط رهين بتحقيق هذا المطلب.
ـ إدانتنا للمقاربة القمعية من طرف القوات العمومية في حق الدكاترة المعطلين المنضوين تحت لواء الاتحاد الوطني للدكاترة المعطلين بالمغرب وتحميلهم مسؤولية المس بسلامتهم الجسدية والمعنوية.
ـ تنديدنا بكل مظاهر الفساد والمراسيم والقوانين التي تحرمنا من حقوقنا العادلة والمشروعة.
ـ دعوتنا الجهات المسؤولة إلى فتح حوار جاد ومسؤول من أجل حل هذا الملف والبحث عن مخرجات عطالة الدكاترة.
ـ تقديرنا وامتناننا لكل الأصوات النزيهة والأقلام الحرة من النخب الوطنية؛ صحفيين وحقوقيين ونقابيين وسياسيين.
ـ تضامننا المطلق واللامشروط مع جميع الحركات الاحتجاجية المطالبة بحقها الوجودي في العيش الكريم.
وما ضاع حق وراءه مطالب
والسلام
المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني للدكاترة المعطلين بالمغرب
مناقشة هذا المقال