أكد عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، على وعي الدولة التام بمختلف جوانب مشاكل الرعي والرحل، مضيفا أن الحكومة تليها أهمية قصوى بما يحفظ حقوق الساكنة المحلية ويعزز شعورهم بالأمن والطمأنينة، وبما يمكّن كذلك الرعاة الرحل من فضاءات مجالية تضمن لهم موارد طبيعية لممارسة الرعي.
الأنشطة الرعوية والترحال الرعوي التقليدي، أفضت بروز مجموعة من الإشكالات خلال السنوات الأخيرة
وأشار الوزير، في كلمة له خلال اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، أمس الثلاثاء 2 مارس2019، بمجلس النواب، إلى التحولات المسجلة على مستوى كيفية مزاولة الأنشطة الرعوية والترحال الرعوي التقليدي، والتي أفضت بروز مجموعة من الإشكالات خلال السنوات الأخيرة، لاسيما تلك المتعلقة بالاستغلال العشوائي والمفرط للغطاء النباتي الرعوي ونشوب نزاعات ناجمة عن ممارسة الترحال، مبرزا في هذا الصدد محدودية نطاق هذه الظاهرة، التي تبقى محصورة في مجال جغرافي محدد، فضلا عن كون وتيرتها مرتبطة أساسا بحجم التساقطات المطرية وبطبيعة الموسم الفلاحي.
جهة سوس ماسة تعاني من ظاهرة نتيجة نزوح مجموعات من الرحل
وأبرز الوزير أن جهة سوس ماسة تعاني من هذه الظاهرة نتيجة نزوح مجموعات من الرحل، على طول السنة وخصوصا أثناء فترات الجفاف أو البرد، حيث نجمت عن ذلك مجموعة من المشاكل التي تجلت أساسا في الاستغلال المفرط للغطاء النباتي والغابوي وتسجيل حالات للرعي الجائر، إلى جانب الاستيلاء على الملك الغابوي والاستغلال العشوائي لنقط الماء وعدم احترام المحميات المسيجة والضيعات الفلاحية للخواص، مما نجم عنه في بعض الأحيان تسجيل اصطدامات ومناوشات بين الساكنة المحلية والرعاة الرحل، خاصة بأقاليم تيزنيت، تارودانت وأكادير إداوتنان.
إشكالية الاصطدامات تم تهويلها بشكل كبير
وإبرازا للحجم الحقيقي لإشكالية هذه الاصطدامات التي تم تهويلها بشكل كبير، حسب الوزير، أكد الأخير أنه لم يتم تسجيل سوى 15 حالة احتكاك بين الرعاة الرحل والساكنة المحلية منذ بداية سنة 2018، والتي لم تنجم عنها أية خسائر في الأرواح، مشددا كذلك على كون السلطات العمومية، وعكس ما تعمل بعض الأطراف على ترويجه، كانت دائما حاضرة بالميدان لحماية الساكنة وممتلكاتها، وكذا لردع أي تصرف مخل بالقانون أو مهدد للنظام العام.
وفي هذا السياق كشف وزير الداخلية عن عمل بعض الفئات على تغليف هذه الإشكالية بصبغة سياسية ونزعة عرقية أحيانا، واستغلالها المقيت للمطالب المشروعة للساكنة، وتحريضها على الاحتجاج بخطاب سياسي بعيد كل البعد عن طبيعة الإشكالية الاجتماعية المطروحة.
واعتبر أن هذه “الأهداف المشبوهة” تتضح بجلاء إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن الوقفات الاحتجاجية التي نظمت على صعيد جهة سوس ماسة تميزت بتسجيل عزوف الساكنة عن المشاركة فيها وهي المعنية الأولى بالموضوع، إذ لم تتجاوز 300 مشارك.
الرفض البات للاستغلال السياسي
وعلى هذا الأساس، شدد الوزير على الرفض البات للاستغلال السياسي لهذا الموضوع، مؤكدا التشبث التام للحكومة بممارسة دورها وواجبها في حل جميع الإشكالات ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية بمنطق تغليب المصلحة العامة للسكان المتضررين أولا وإيجاد حلول بديلة للرعاة ثانيا.
حل مشاكل الرعي الجائر، لا يمكن أن يتحقق إلا بتطبيق الترسانة القانونية.
وفي السياق ذاته، وبحضور وزير الداخلية، شدد النائب البرلماني، عبد الله غازي، على أن حل مشاكل الرعي الجائر، لا يمكن أن يتحقق إلا بتطبيق الترسانة القانونية.
وقال غازي، في اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، أن الاعتداءات في مناطق سوس، ليس بالجديدة، لكن وفي خضم الورش التشريعي والتنظيمي استمر الوضع، وتجددت التوترات بين السكان والرعاة، وظلت مساحة التماس بينهما غير مضبوطة، علما أن قانون يضبط العلاقة بينهما.
30 في المائة من اللحوم في السوق المغربية مصدرها ماشية الرعاة
وأكد غازي على أهمية مجال الرعي والترحال، وانعكاسه الإيجابي على المجال الاقتصادي، خاصة سلسلة تربية المواشي، فحوالي 30 في المائة من اللحوم في السوق المغربية مصدرها ماشية الرعاة، فضلا عن كونه ممارسة عريقة راسخة في القدم، كانت تؤطرها أعراف وتقاليد، كما كانت مجالا يزخر بقيم التعايش بين الرعاة الرحل والساكنة المحلية.
وأضاف المتحدث أن جزءً كبيرا من الأراضي السلالية تستغل في مجال الرعي، تصل إلى 62 مليون هكتار على امتداد تراب المملكة.
لكن، يضيف غازي، أن هناك استغلالا مفرطا لموارد الرعي، خاصة الرعي الجائر الذي يؤثر سلباً على الموارد الرعوية وأراضي الساكنة المُستقبلة.
وأكد غازي أن ما يزيد الأمر استفحالا، هو حدة التغيرات المناخية والجفاف في العقدين الأخيرين، مما جعل موضوع الرعي على مستوى بعض الأقاليم ظاهرة مسترسلة، أحدثت ممارسات مشينة تمس بالممتلكات وأمن الأشخاص.
اعتداءات وتجاوزات، خلفت ردود فعل ووقفات تنديدية وإستنكارية
وأشار غازي إلى أن سنة 2011 عرف خلالها إقليم تزنيت نفس درجة التوتر المسجلة حاليا، من اعتداءات وتجاوزات، خلفت ردود فعل وصلت حد استقالة أعضاء مجلس جماعي، ووقفات تنديدية وإستنكارية، لكن الجهات الوصية استجابت حينها للنداء ونظمت مناظرة دولية في مدينة أكادير، شكلت توصياتها أرضيةللقانون 13-113 المتعلق بتنظيم الرعي والترحال، والذي صدرت معظم مراسيمه التطبيقية، فيما لازالت أخرى لدى الأمانة العامة للحكومة.
وشدد غازي أن المغرب اليوم يتوفر على قانون تمت صياغته بعد مقاربة تشاركية وحوار دائم ومتصل مع الساكنة المعنية، يأخذ بعين الاعتبار مصالحهم والخصوصية المتفردة لطبيعة المنطقة التي تضم زراعات شجر الأركان، ومن شأن تطبيق القانون الحد من المواجهات العنيفة.
ودعا غازي ممثلي الأمة إلى مساندة القانون، وعدم تبخيسه، قائلا : “لابد أن نمنح السند للقانون دون تبخيسه أوتفكيكه، وهو الذي أعد بمقاربة تشاركية ومقاربة تنموية، ولا يمكن أن نحكم على نجاعته أو فشله مدام لم يطبق، ولا يمكن أن نجد حلا لما تعيشه بعد مناطقنا اليوم إلا بتنزيل مضامين القانون كاملةً”.
مناقشة هذا المقال