بقلم الدكتور الحسين بويعقوبي.
لم يكن محمد المختار السوسي مخطئا حين وصف جهته ب”سوس العالمة”، ملخصا بذلك وضعا ثقافيا معينا كان من ميزاته الإهتمام بالعلم والعلماء خاصة حول المدارس العتيقة، التي كانت بمثابة “جامعات قروية” لا تقل برامجها الدراسية شأنا إن لم نقل تضاهي في بعض الأحيان ما كان يدرس بجامع القرويين بفاس، ولذلك كان التنافس واضحا بين “العمل السوسي”و “العمل الفاسي” في مجال الإجتهاد الفقهي. ولهذا لم يكن غريبا أن يخرج من سوس فقهاء كبار دونو آراءهم كالإفراني والحضيكي والإكراري…رغم انتمائهم لمجتمع تغلب عليه الشفوية ووصل صيتهم لخارج المغرب. والأكيد أن بيوتات هؤلاء كانت تعقد فيها مجالس للنقاش والتفكير في مختلف القضايا التي كانت تؤرق بالهم والإشكالات التي كانت تقض مضجع الخاصة في عصرهم.
وقعت تحولات كثيرة في سوس مند استقلال المغرب إلى اليوم وكان هم التنمية المادية ووضع البنيات التحتية في عمق الإنشغالات فتكتل السكان من جديد مستثمرين قيمة “تيويزي” الموروثة عن الأجداد وهاجر من هاجر للخارج دون أن ينسى البلدة، فساهم الجميع في شكل اكتتاب في تعبيد الطرق وبناء المدارس وإصلاح المقابر وإنارةالدواوير وإيصال الماء الصالح للشرب… إما بشكل كلي أو بتعاون مع مصالح الدولةالمختصة. وفي انتظار أن تتحقق التنمية المرجوة لم ينس الجيل الجديد من أبناء سوس الجانب الثقافي حيث استثمرو الإمكانات التي يتيحها العمل الجمعوي طيلة النصف الثاني من القرن العشرين. ومع بداية القرن الواحد والعشرين ابتدعو دينامية جديدة، مستفيدين من التجارب الدولية، حيث حول البعض بيوتاتهم لفضاءات للنقاش، فظهرت “الصالونات الأدبية” أو”البيوتات الثقافية”كما سماها الأستاذ عزالدين بوالنيت. يتعلق الأمر بمباذرات فردية تعمل على تحويل بيت الأجداد أحيانا أو صالون البيت العائلي أحيانا أخرى أو بناية جديدة في أحيان كثيرة، بعد اختيار اسم معين دو دلالة مقصودة، لفضاء للنقاش الحر في شكل موائد مستديرة تتميز بالحميمية والإحساس بالجو الأسري، بعيدا عما تفرضه القاعات العمومية من ضوابط وقوانين. كما يتم الإستمتاع أيضا بفقرات متنوعة من مختلف الأشكال الفنية من موسيقى وسينما…في بيوتات مهيأة أحيانا في شكل متاحف تضم مايذكر جيل اليوم بنمط حياة الأسلاف.
إنها دينامية جديدة في طور النشأة بموازاة دينامية “المقاهي الثقافية”، تربط الماضي بالحاضر وتسعى لتجعل الثقافة في قلب الحياة الإنسانية، كما توفر هذه الفضاءات فرصة الإقتراب بين الباحثين المهتمين ومنتجي الأشكال الثقافية، خاصة الشعبية منها، مما يجعل هذه البيوتات فضاء لإنتاج المعرفة وخزانا لا ينبض من المعلومات يصعب الوصول إليها بتقنيات البحث التقليدية.
مناقشة هذا المقال