الكارثة البيئية التي يعرفها واد “ماست” (=أسيف ن ولغاس) في منطقة “تاگوت” هذه الأيام، بموت أعداد هائلة من الأسماك والكائنات المائية، دليل على ضعف السياسات البيئية وسياسات تدبير الماء، التي تنهجها الدولة منذ الاستقلال إلى اليوم.
فمشاريع إنشاء السدود الكبرى ليست دائما ذات نتائج مبهرة كما يعتقد البعض، فهي تؤدي إلى كوارث بيئية خطيرة في الكثير من الأحيان، إذ تعمل على تشويه الأوضاع الطبيعية الأصلية، كما حدث مثلا عند بناء السد العالي في مصر، وهذا ما يحدث الأن في واد “ماست” وسهل “سوس” عموما.
فإنشاء سد يوسف بن تاشفين في منطقة جبلية، جعل المياه تجف في العيون الجبلية، كما جعلها تشح في نهر “ماست”، الذي تذكر المصادر التاريخية أنه كان أكبر نهر دائم الجريان في الجنوب وكانت تعيش فيه عدة أصناف من الأسماك والكائنات المائية ومنها التماسيح (=إيغوشافن)، وكان على ضفافه ميناء نهري.
كما أن المصادر لم تذكر قط أن منطقة “تاگوت” قد تعرضت للمجاعة في التاريخ، وذلك بفعل وفرة المياه وتنوع الانتاج الفلاحي، الذي كان يُصدر إلى العالم منذ العصور الفينيقية، حيث كانت السفن تدخل من المحيط الأطلسي، لترسوا في الميناء النهري الكبير قرب بلدة “أغبالو”. كما أن المنطقة كانت تعرف حضارة مائية عظيمة، تم تذميرها للأسف الشديد من طرف مخربي الحضارة من خلال تخطيطهم السياسي الفاشل..
سياسة تشييد السدود الكبرى إذن أثبتت فشلها رغم ما كيل لها من المديح في عهد الحسن الثاني، فمياه السدود، خصوصا في المناطق الجافة والشبه الجافة، تتعرض لمشكلة التبخر والتوحل، مما يجعل كميات كبيرة من المياه تضيع بلا جدوى. ما يثبت حجم الأزمة اليوم، هو تسريع الدولة لوتيرة الأشغال لبناء محطة لتحلية مياه البحر في شاطئ “للا خويرا” في بلدة “دويرا” الساحلية قرب “ماست”، وذلك لتفادي النقص المهول في المياه الذي ينتظر المنطقة.. فكيف لعب الزمان بالمنطقة لتتحول من حضن لأكبر نهر دائم الجريان إلى بناء محطة صغيرة لتحلية مياه البحر..!؟؟
أحمد الخنبوبي استاذ باحث
مناقشة هذا المقال