Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

سبع أمواج إيموران: عندما يلتقي البحر بالأسطورة في قلب السينما الأمازيغية

 بقلم رشيد بوقسيم

في أعماق الأمواج وتحت سماء البحر الواسعة، تنطلق السينما الأمازيغية في رحلة عميقة نحو قلب الأسطورة والهوية. “سبع أمواج إيموران” ليس مجرد عنوان لفيلم، بل هو استعادة للروح الأمازيغية التي تتجاوز حدود الزمان والمكان. إنه البحر الذي يطهر الذاكرة، والموجات التي تعكس صراع الإنسان مع ذاته.
أمواج الأسطورة تنبض بالحياة
بين الأمواج المتلاطمة، تتوارى الأسطورة الأمازيغية خلف كل موجة، حية نابضة كما كانت منذ الأزمنة البعيدة. البحر، ذلك العنصر الذي لا يقتصر على كونه خلفية للأحداث، بل هو شخصية حية تمارس تأثيرها على كل ما حولها. “سبع أمواج إيموران” يأخذنا في رحلة حافلة، حيث يصبح البحر المرمى الذي تصطدم به أحلام الأبطال، والشواطئ التي تحتفظ بأسرارهم وأحزانهم. أمواج الفيلم ليست مجرد حركة مائية، بل هي رموز للبحث عن الذات، عن الحقيقة، عن الأمل. السبع أمواج التي يتحدث عنها الفيلم تمثل تلك الرحلة الروحية التي لا تنتهي، رحلة تطمح إلى الوصول إلى السلام الداخلي في بحر مليء بالتحديات، كما هي الحياة نفسها.
الحسين مرابح: عبور الأسطورة إلى الشاشة
في هذا الفضاء السينمائي الذي يدمج التراث مع الحاضر، يظهر الحسين مرابح كمبدع فني استطاع أن يجعل من الأسطورة الأمازيغية لغة معاصرة. لم يكن هذا الفيلم مجرد سرد لأسطورة قديمة، بل كان دعوة لبعث الروح الأمازيغية عبر شاشة السينما. في هذا العمل، تتجسد فلسفة سينمائية تجمع بين القديم والجديد، بين الأسطورة والواقع، ليصيرالبحر ليس فقط مياها بل صوتا يشد القلوب ويذكرنا بجذورنا التي لا يمكننا أن ننسى.
أبطال من المسرح إلى الشاشة: تفاصيل الحياة الأمازيغية
الفيلم يروي قصة بنادم وتافوكت، اللذين نشآ معا وتداخلت أرواحهما حتى باتا لا يفترقان. كل يوم، يجتمعان على صخرة إيموران، تلك الصخرة التي أصبحت شاهدة على حديثهما المتواصل عن كل شيء وكل لا شيء، عن الأحلام والعواطف، لكن خاصة عن حلمهما المشترك: الزواج. ومع ذلك، كانت تافوكت تتردد، غير واثقة من نفسها ومن قدرتها على جذب قلب بنادم كما تتمنى. هي قصة الحياة الأمازيغية عبر شخصيات مبدعة، من بينهم رشيد الهزمير الذي يتقمص دور “بنادم”، سهام إيلال التي تجسد شخصية “تافوكت”، وخالد البركاوي في دور “أفال”،سعيد وارداس،احمد العواد، اشرف، هشام إيلال،سعاد و ميلودة وحليمة المجرادي وللائحة طويلة … هؤلاء الممثلون، الذين كانوا في بداية مشوارهم الفني، يحملون على عاتقهم مهمة نقل تفاصيل الحياة الأمازيغية بكل أصالتها وتفردها. مع فريق من المبدعين من فرقة “إنوراز” المسرحية، تمكنوا من جعل “سبع أمواج إيموران” قطعة فنية لا تشبه سواها. ومن دون أن ننسى دورالمخرج عبدالله داري و من كانوا في الكواليس كالشاعر حسن العمري، حسن بوفوس، والمحفوظ أبو الجوف وآخرين.
البحر والأمل: إشراقة في وجه العاصفة
وفيما يغمر الفيلم أفق البحر ورمال الشاطئ، يتنفس البحر ذاته، يحمل في أعماقه رسالة الأمل والنضال. كما في الأسطورة، كان البحر في “سبع أمواج إيموران” رمزا للبحث عن العروس، عن النقاء، وعن التجدد. لكن البحر، في العمق، أكثر من مجرد طبيعة، هو تجسيد للصراع الإنساني، والأمل الذي يلوح في الأفق حتى وسط الأمواج العاتية. أما في قلب السيناريست الحسين مرابح، فقد أخذ البحر شكلا آخر. البحر الذي لا يقف في وجه البشر بل يسير مع الزمن.
أثر فني وإشعاع ثقافي
بعد عرضه على القناة الأولى سنة 2002، “سبع أمواج إيموران” لم يكن مجرد فيلم، بل حدثا تاريخيا. لحظة مفصلية في تاريخ الفيلم الأمازيغي، حين تمكن هذا العمل من الوصول إلى جمهور عريض، ليبث فيهم الفخر والاعتزاز بالهوية الأمازيغية. استحق الفيلم جوائز مرموقة في مهرجانات دولية مثل مهرجان القاهرة ومهرجان إسني ن ورغ، وأصبح رمزا للفيلم الأمازيغي الذي يحترم تقاليده ويفتح أبوابا جديدة للجيل القادم.
لحظة تاريخية لا تنسى
أعود بذاكرتي إلى عام 2002، السنة التي تلت إنتاج الفيلم وتوزيعه على شريط فيديو، وكان ذلك في يوم 22 نونبر 2001. كنت حينها طالبا في جامعة ابن زهر بأكادير، جزء من مجموعة صغيرة تجمعنا روح الفن والشغف بالمسرح. اجتمعنا معا في بيت عائلة السيناريست والروائي والفنان الحسين مرابح لمشاهدة “سبع أمواج إيموران” لأول مرة على قناة إتم. وكانت لحظة لا تنسى، حيث توحدنا مع عالم البحر والأسطورة. وها نحن اليوم، نعيش تلك اللحظة مجددا، لأن الفيلم لم يكن مجرد سرد لأسطورة، بل كان شهادة على قدرة السينما في إعادة إحياء التاريخ والهوية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.