خسر “الكار” غيروا “الشيفور”..عزيزة حلاق
هناك نكتة ساخرة ليست سياسية تقول:” إن حافلة للركاب تعطلت في منتصف الطريق، وكان واضحا أن السبب هو الحالة المهترئة للحافلة التي عمرت لعقود.. نزل الركاب، وظلوا ينتظرون لساعات طوال وصول المسؤول/ صاحب الحافلة ما هو فاعل لضمان مواصلة الركاب طريقهم في أمان، فما كان منه، إلا أن أمر بتغيير السائق”.
“خسر الكار غيروا الشيفور..”
مناسبة هذا الكلام، هو الوضع الضبابي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، الذي يخيم على واقعنا اليوم. وسؤال المرحلة إلى أين نحن سائرون؟ وأشمن طريق شادين وفين غاديين وآشمن وسيلة نقل راكبين؟
ففي الوقت الذي تجدد فيه الحديث حول التعديل الحكومي، وفي ظل سياق اجتماعي وسياسي يطبعه الاحتقان، وتداعيات النكبات الطبيعية، منكوبي زلزال الحوز وفيضانات طاطا، وغيرها من المناطق، تفجرت قنبلة مدوية تمثلت في الهجرة الجماعية عبر ممر سبتة، أو ما سمي بالهروب الكبير..
ماذا نقول ونحن نشاهد والعالم يتابع صورا صادمة، لمئات من الشباب (فتيان وفتيات) ومراهقين وأطفال لا تزيد أعمارهم عن 10 أو 12 سنة، حجوا إلى مدينة الفنيدق حسب اتفاق مسبق، ليلة 15 شتنبر الجاري (أمس الأحد)، أتوا من مختلف الجهات، جموع من الشباب قدموا من الراشيدية وبنكرير و خنيفرة وغيرها من المناطق أو ما يعرف بمدن المغرب المنسي،غامروا بحياتهم ومصممين على مواجهة المجهول في هجرة سرية سباحة إلى الضفة الأخرى.
حين يساءلون ما الذي دفع بهم إلى المقامرة بحياتهم وركوب رحلة محفوفة بالمخاطر؟ تأتيك أجوبة حارقة تكاد تكون واحدة” كون لقينا الخير فبلادنا ماخديش نحركوا”. أو بمعنى شعبي آخر “حتى قط ما كيهرب من دار العرس”.
الغريب والمفجع أن لدى هؤلاء اليافعين أصرار على خوض المغامرة رغم خطورتها.
شهادات مؤثرة لأمهات شابات منهن من حاولت “الحريك” لأكثر من مرة وفشلت، وتعاود الكرة، أملها الوحيد أن تصل إلى الضفة الأخرى، تؤمن ان في ذلك خالصها الوحيد من شبح الفقر والوضع المزري الذي تعيشه وأسرتها، تطمح لضمان مستقبل أفضل لأطفالها.
<
يوجهون اللوم للمسؤولين الذين لم يعيرونهم اهتماما ولا يتفاعلون مع مطالبهم، بحيث أسقطوهم من مخططات التنمية والتشغيل. مطالبهم واضحة وبسيطة اضمنوا لنا عملا وعيشا كريما ولن نفكر في “الحريك” أو الهجرة.
أمام هذه الصور، وهذه الشهادات، يطرح السؤال، ما الذي أوصلنا إلى هذا الوضع المعقد وهذه الاشكالات؟ ولماذا تقابل هذه الصور وهذه الفضيحة بصمت المسؤولين؟ وماذا عساهم أن يقولوا؟
فكل هذه الإشكالات البنيوية المطروحة على بلادنا، تفضحها أرقام المنظمات الدولية والتقارير الوطنية أيضا.
فدوليا، كيف يمكن ألا نخجل من تصنيفنا في الرتبة 123 في سلم التنمية والتي وإن ترقينا بعد 10 سنوات، إلى مرتبة 120 حاليا، فتبقى دون المستوى المطلوب. كيف لا نخجل وقد حل المغرب في الرتبة 183 وفق مؤشر جودة التعليم.
ووطنيا، أرقام المندوبية السامية للتخطيط، وحدها كافية لتجيب عن هذا الاستفهام الذي يختزل في طياته أسئلة أخرى باتت تطل برأسها بحثا وبإلحاح عن أجوبة مقنعة؟
فإحصائيات مندوبية السي لحليمي، تشير إلى أن 14 في المائة، من السكان في سن “النشاط” غير ناشطين. وعدد الفقراء وصل إلى مليون و40 ألف مواطن. و2,3 مليون مغربي “يعيشون” تحت عتبة الفقر.
كيف يمكن أن نتحدث عن الدولة الاجتماعية، وأمامنا 1.483.000 من اليافعين لا يدرسون ولا يشتغلون ولا يتوفرون على أية مؤهلات.
إذ تتحدث أرقام المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن 4 ملايين ونصف، سنهم بين 15 و35 سنة. هم خارج أي تصنيف أي (لا قراية..لا خدمة..لا أسرة…لا تكوين…والو ..لا شيء).
لا أحد يمكن أن ينكر أن المغرب حقق الريادة في مجالات شتى لا ينكرها إلا جاهل أو حاقد، خاصة على مستوى المشاريع الكبرى والبنايات والبنيات التحتية، ولنا في العاصمة الرباط وعاصمة البوغاز طنجة أفضل مثال.
كل ذلك جميل ورائع ولا يمكن إلا نصفق له، (ما عننا ما نقولوا غير برافو…مشاريع ضخمة طرق سيارة مراكز تجارية كبرى وترفيهية وغيرها…لكن، للأسف كل هذه الإنجازات الضخمة، لا يمكن ان تحجب النصف الفارغ من الكأس. عن واقع المواطن أتحدث ومدى رضاه عن حياته ومعيشيه اليومي؟
أي واقع للمواطن، والفوارق الطبقية والاجتماعية تتوسع، في ظل الافتقار لمؤسسات اقتصادية مواطنة قوية وفي ظل انتشار الأنشطة غير المهيكلة التي تزيد من حدة الفوارق الطبقية. ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة والفقر وانتشار التسول والتشرد وارتفاع نسبة الجريمة.
أي واقع للمواطن أمام أزمة الغلاء التي قال عنها، المندوب السامي للتخطيط:” بأنها ستستمر لمدة طويلة، وأن التضخم أضحى مشكلا بنيويا، وأن مصدره ليس خارجيا، بل هو داخلي بسبب قلة العرض”.
أي واقع للمواطن، وهو الضحية الأولى عند كل أزمة مهما كبرت، أزمة الماء واستنزاف الفرشة المائية، بسبب زراعة “الدلاح والأفوكادو”، الموجهة للتصدير، زادت من تعميق أزمة شح المياه وتبعاته الكارثية على المغاربة. أشنو نديروا؟ (كاينة أزمة الما، حافظوا على الماء… سدوا الحمامات الشعبية).
مجالات كثيرة في المغرب، تعيش أزمات، مسار فاشل في الخدمات العمومية، أزمة التعليم والصحة ومنظومة العدالة. وسؤال كبير عن العدالة المجالية والثروة الوطنية؟
– ما الذي أوصلنا إلى هذا الوضع ولماذا تعمقت كل هذه الأزمات؟
– وكيف يمكن أن تواجه حكومتنا المحترمة كل هذه القضايا والاشكالات؟
هل بتعديل حكومي وتغيير وزير بوزير؟
أعتقد أنه بات من الصعب على أي متتبع إدراك السياق الذي يتحرك فيه المغرب.
ففي الوقت الذي يصرخ ركاب الحافلة المهترئة معتبرين أنها (مابقاتش صالحة)، ويجب إيداعها إلى الخردة “لافيراي” و يطالبون في المقابل بتمكينهم من مواصلة الرحلة بحافلة جديدة تضمن سلامتهم وأمنهم. يتقرر تغيير السائق.
إن مشكلة الحافلة المعطلة، تشبه وضعية الحكومة، التي أبانت عن محدوديـة سياساتها العموميـة في تحقيـق الاندماج الاجتماعي والاقتصادي. وبالتالي لا يعقل تغيير سائق بسائق لتتحرك الحافلة” ولن تتحرك وتنتعش الدورة الاقتصادية، بإبعاد وزير وتعيين آخر لتحل كل هذه الإشكالات.
إن ما وقع يوم أمس بالفنيدق، هو تحدي سياسي واجتماعي، وقنبلة ديموغرافية موقوتة، يجب أن نجد لها ونجيب عنها بسياسات عمومية مسؤولة وجريئة، وليس بالشعارات والوعود الوردية، فالدولة التي أقرت بانها في مأزق وسارعت إلى السعي إلى تجديد نموذجها التنموي، يجب أن تتصدى وتحارب كل ما يعرقل التنمية للبلاد والعباد.
وقد قالها جلالة الملك في أكثر من مناسبة ” إن عدو الوطن هو الفساد “.