‘أطفال القمر’ في المغرب.. حياة ليلية وأعباء مالية
وكالات
- حياتهم ليلية، فهم لا يستطيعون التعرض لأشعة الشمس إن أرادوا البقاء على قيد الحياة، لذا يلازمون منازلهم طيلة النهار في انتظار حلول الظلام.. هؤلاء هم “أطفال القمر” أو “القمريون”، نسبة إلى عدم قدرتهم على الظهور بشكل طبيعي إلا تحت ضوء القمر.
أطفال يعتبرون الظلام صديقا مؤنسا
إذا كان إطفاء الأنوار وحلول الظلام يبثان الرعب في نفوس الصغار، فأطفال القمر أو أعداء الشمس على العكس من ذلك يعتبرون الظلام صديقا مؤنسا، فهو المتنفس لهم للخروج من سجنهم المنزلي إلى الشوارع بلا خوف تحت ضوء القمر.
سناء يقظان (28 عاما)، إحدى المصابات في المغرب بهذا المرض الذي لون حياتها بالسواد، وجعلها تعيش في الظلام، ولا تقدر على أن تخرج إلى أشعة الشمس.
قالت سناء “كان لزاما عليّ أن أعيش سنواتي، التي قاربت الثلاثين، حبيسة خلف جدران المنزل”.
وأضافت الشابة المغربية “لا يؤنس وحدتي في المنزل المظلم إلّا والداي اللذان يمنحانني الرعاية المطلوبة، خوفا من أن ألقى مصير أخي الأكبر، الذي فارق الحياة في سن مبكرة، متأثرا بالمرض نفسه”ّ.
طيلة هذه السنوات من عمرها لم تحتج سناء إلى أي تدخل جراحي، كما هو الحال بالنسبة إلى الكثيرين مثلها، بفضل خضوعها لمتابعة طبية دائمة، واتباع إرشادات الأطباء، وتغطية بشرتها باستمرار بمراهم واقية يبلغ سعرها 400 درهم (40 دولارا أميركيا)، كما ترتدي قناعا مع نظارات طبية لا تسمح بعبور الأشعة فوق البنفسجية.
لكن سناء لم تسمح للظلام الذي تعيش فيه أن يتسلل إلى قلبها، وظل نور الأمل بغد أفضل حافزها لمواصلة تعليمها داخل المنزل.
أسست أسرة سناء جمعية “التضامن مع أطفال القمر”، في 24 ديسمبر 2012، وتعتمد في تمويلها على دعم الأفراد الخواص لتوفير متطلبات الوقاية والعلاج للمصابين. وتُعنى هذه الجمعية بالمتابعة الطبية لـ242 حالة، تتراوح أعمارهم بين عامين و42 عاما.
أطفال القمر يعتبرون الظلام المتنفس لهم للخروج من سجنهم المنزلي إلى الشوارع بلا خوف تحت ضوء القمر
مرض “الكزيروديرما بيكمنتوزو” أو “التقرح الجلدي الاصطباغي”، الذي يصطلح عليه علميا بـ”XP”، هو مرض جلدي وراثي غير معدٍ، وهو من الأمراض النادرة، ويسبب حساسية جلدية مفرطة لأشعة الشمس، ينتج عنها ظهور بقع سوداء أو بنية في الوجه والعنق، إضافة إلى تقرحات جلدية قد تتحول إلى خلايا سرطانية قاتلة، والتهابات بصرية وترقق شديد في الجفون وفقدان الرموش، ويعاني ثلث المصابين به من أمراض عصبية، بينها فقدان السمع والبصر.
بعض هذه الأعراض تؤدي بالمصابين إلى العزلة، فهي تتسبب لهم في تشوهات تدفع البعض إلى تجنب النظر إلى المصابين بهذه الأمراض، التي ترفع من احتمال وفاة المرضى في سن مبكرة.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن عدد الأطفال المصابين بالتقرح الجلدي الاصطباغي غير محدد حتى الآن، لكنه في ارتفاع خاصة بالمناطق التي يكثر فيها زواج الأقارب.
وبينما لا يوجد إحصاء رسمي حول عدد الأطفال المصابين بهذا المرض في المغرب، تقدر تقارير صحافية عددهم بحوالي 500 مريض.
وتوفر الجمعية، التي ترأسها أم سناء، نزهة الشقندي، المتابعة الطبية والاجتماعية للمرضى، وتطالب بتغطية صحية لهم، وإنشاء مراكز خاصة تعنى بهذه الفئة.
أطفال القمر يعتبرون الظلام المتنفس لهم للخروج من سجنهم المنزلي إلى الشوارع بلا خوف تحت ضوء القمر
والتقرح الجلدي الاصطباغي من الأمراض التي تتطلب تشخيصا مبكرا، ويلازم المصاب به مدى الحياة.
وبتشخيص المرض تبدأ رحلة معاناة جديدة للمصابين به، تفرض عليهم عدم التعرض لأشعة الشمس، وتتطلب عملية الوقاية من الشمس توفير وسائل خاصة للحماية من أشعتها، وهي بالمئات من الدولارات، وغير مدرجة في التغطية الصحية (التأمين الصحي) بالمغرب. ويواجه المرضى بالتقرح الجلدي الاصطباغي في المغرب على غرار بقية الدول النامية صعوبات كبيرة في نيل الرعاية، لهذا تعمل جمعية “التضامن مع أطفال القمر” على توفير النفقات المادية للخضوع لعمليات التقويم، التي تلي إزالة الأورام السرطانية، وإجراء التحاليل والفحوصات المستمرة، فضلا عن الدعم النفسي والمعنوي الذي يحتاجه المرضى.
وزارة الصحة المغربية انتبهت قبل خمس سنوات إلى الأمراض النادرة أو المهملة رغم محدودية عدد المصابين بها ووضعت مخططا للعناية بهم