بقلم الهوارى غباري.
كانت إحدى القُرى النّائية تعيش في أمنٍ وسلامٍ ، وكان أهلُها طيّبون يعيشون حياةً بسيطةً يأكلون يشربون ويتوالدون وينعمون بكلّ ماتحتاجه حياتهم البسيطة ، لكنّهم ولِأسبابٍ مجهولة ، كانوا جميعاً يملكون وجوهاً بَشِعةً ولم يكن هذا الأمر يضرّهم كثيراً في أوّل الأمر لأنّهم لم يكونوا يعرفون معنى الجمال فحتّى القرى المجاورة كانت تُنافسهُم في البشاعة حتّى مرّت بهم قافلةٌ قادمة من خلف البحر حينها دُهش سُكّان القرية كثيرا ، فقد شاهدوا وجوها يشعّ منها النّور وعيوناً كعيون المها ، وأنوفا مُستوية كأنوف الغزلان ، كان جميلٌ ماشاهدوه ، فتذكّروا أنّهم لم يسبق لهم أن شاهدوا وجوههم لأنّ حينها لم يكن شيئاً إسمهُ المرآة ، وراود كلّ واحد منهم الفضول كي يعرف شكل وجهه ، كيف رُسمتْ عينيه وأيّ علامة تميّز فمهُ وأنفه وأُذنيه ، وظلّوا في حيرة من أمرهم سنيناً يُدارون سؤالهم بالخيال حتّى جاء يومٌ استطاع فيهِ أحدُهم أن يخترع مرآةً وكان أوّل واحد سيرى وجههُ فيها ، فذُهل من هول مارأى وقد صمّم في أوّل الأمر أن يُخفي على الآخرين هذا الإختراع حتى يظلّون في طُمأنينتهم وجهلهم بحقيقة وجوههم البشعة ،ولكنّه تدارك الأمر قائلا : لا يمكن أن نُغيّر بشاعة وُجوهنا مالم نشاهدها في مرآة ، فصنع منها أعداداً وفيرة ووزّعها على سُكّان القرية وحين شاهدوا وُجوههم تذمّرت قلوبهم ورفعوا شكواهم للخليفة ، فطلب الخليفة رأي الحكماء ، فقال أحد هم: كيف يُمكن أن يكون الوجه في مكانين مُختلفين ، هذا عمل من عمل الجنّ والجنّ عدوّللإنسان وقال الثاني : هذه المرآة جاءت لِتخلق الفتنة لوأراد الله أن نرى وجوههنا لخلق لنا عيونا في مكان آخر وقال الثالت : لماذا بالظبط في هذه الظروف يأتي هذا الإختراع المشبوه….فأمر الخليفة بِتكسير كلّ المرايا وقتل صاحب الإختراع حتّى لاينقلَ عدواه للآخرين فتمّ تنفيذ أمر الخليفة وعاش سكّان القرية سُعداء بوجوههم البشعة.
غباري الهوارى.
مناقشة هذا المقال