بقلم الحسين الرامي.
يمكن مناقشة فكرة إصلاح الجامعة من زاوية المهام الموكولة لها في علاقة بمواردها وإمكاناتها وقدراتها. كما أن أي إصلاح للجامعة ومنظومة التعليم برمتها مرتبط بالفهم الصحيح لمشاكلها حسب ما ورد في كتاب “أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب” للمفكر الكبير الراحل محمد عابد الجابري رحمه الله. حيث يستفاد من هذا الرأي أن الفهم الصحيح لمشاكل منظومة التعليم يفرض تحليلا استرجاعيا، يبدأ بفهم تاريخ مولدها ونشأتها وتتبع مراحل نموها وتطورها.
دون السعي للخوض في تفاصيل الأسئلة المؤرقة المطروحة من قبل مفكرين مغاربة كبار في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي (محمد عابد الجابري في كتابه السالف الذكر والذي وصف فيه التعليم بكونه مشكلا مزمنا، ومحمد جسوس الذي أكد أنه لا خير في المجتمع المغربي إذا لم يراهن على الجامعة المغربية)، يمكن مناقشة وظيفة التكوين في علاقتها بطبيعة الهندسة البيداغوجية والمضامين والمناهج ونظام التقويمات في علاقتها بالجودة ، مع استحضار الرسالة الموكولة للجامعة في سياق مسؤولياتها المجتمعية والحضارية والإنسانية.
في هذا السياق، أستحضر طبيعة مهام الجامعة ومدى إمكانية حصر وظيفتها في تكوين الطلاب وتحويلهم إلى تقنيين ومهنيين قادرين على الاندماج المهني في المقاولات والشركات والإدارات. بصيغة أخرى، هل الجامعة مطالبة فقط بممارسة مهام ووظائف تقنية في سياق ما يسمى بانفتاحها على محيطها الاقتصادي والاجتماعي. التسليم بصواب هذا الرأي ودون تمحيص وإطلاقية هذا التوجه الذي يتم التعبير عنه بمصطلح مهننة التكوينات وإدماج وحدات اللغات والتواصل والانفتاح والتنمية الذاتية يحيلنا إلى سؤال رئيس حول قدرات الجامعة وإمكاناتها التقنية واللوجيستيكية والمالية ومدى تأهيل مواردها البشرية لممارسة تلك الوظيفة.
وفي المقابل، من الضروري فتح النقاش حول الجوهر الوظيفي للجامعة ودورها كقاطرة المجتمع وكفضاء للتنظير والخلق والإبداع وإنتاج الأفكار من خلال البحث العلمي وتكوين نخب تكتسب مهارات التحليل والتركيب وتمتلك القدرة على طرح الأسئلة الأساسية والتفكير والنقد والابتكار والتفاعل إيجابا مع قضايا المجتمع وإشكالاته. إن الفضاءات الجامعية لم يتم بناءها فقط لتلقين العلوم والمعارف والمهن، بل هي فضاءات للتعليم و التعلم المشترك وبناء شخصية الطالب وتحضير القيادات المستقبلية، وكذلك من أجل التبادل والتفاعل المعرفي والتنشئة الاجتماعية ورسم مشروع مجتمعي للتنمية والعيش المشترك.
هذا ما يقود إلى طرح سؤال مركب مرتبط بإمكانية وقدرة الجامعة على ممارسة الوظيفيتين معا (التقنية والمهنية من جهة ووظيفة إنتاج الأفكار والتفكير والنقد والتحليل والتركيب … من جهة أخرى)في سياق الاختلالات البنيوية والوظيفية التي تشوب منظومة التعليم العالي وإكراهاتها وتحدياتها وأزماتها والاستمرار في عدم الفهم الصحيح لأسبابها الحقيقية وفي عدم تقدير المخاطر التي قد تنجم عن تأخر معالجتها.
إن فكرة الجامعة ووظيفتها وأزمتها، تستوجب طرح عدد من التساؤلات التي سنحاول تقديم بعض عناصر الإجابة عبر حلقات. السؤال الأول يتمحور حول مضامين البرامج الدراسية والهندسة البيداغوجية والمناهج المعتمدة في عمليات التلقين والتعليم والتعلم. يتعلق الأمر بسؤال مركب يحيل إلى أهمية طرح السؤال حول مشروع نظام الباكالوريوس الذي شرع في تنزيل مضامينه(مع وقف التنفيذ)، بعد مشاورات موجهة ومدروسة ومحددة الغايات والأهداف وفي غياب أي أساس قانوني. ثم بعد ذلك تم التراجع عنه لتخلق أزمات أخرى في التدبير من قبيل ارتجالية السياسات التعليمية بالمغرب، ومصير الأموال التي كانت مخصصة لإعداد المشروع دون محاسبة، ومصير الطلبة المسجلين فيه… وهي نفس الإشكالات التي طرحت في نظام الوحدات LMD، إجازة ماستر دكتوراه،وحيثيات هذا التحول من إصلاح إلى إصلاح، دون تحقيق النتائج والأهداف المتوخاة منه. وهو ما انتقده تقرير صادر عن المجلس الأعلى للتعليم، سنة 2008، الذي اعتبر أنه”لم يتمكن من النفاذ إلى عمق المجتمع ولا إلى استقطاب فئات أساسية من الفاعلين بمن فيهم المنتسبين للمنظومة التربوية…”
هو سؤال، يحيل إلى طرح سؤال آخر حول مدى تقييم نظام إجازة ماستر دكتوراه بشكل دقيق وموضوعي ومحايد ورصد المشاكل الأساسية للتعليم العالي والأسباب الحقيقية لفشل الإصلاح ومعرفة مدى تنزيل مضامينه على أرض الواقع؟ هذه التساؤلات تستمد شرعيتها من سؤال (قد يكون وجيها) له علاقة بمدى إمكانية الفصل بين إصلاح نظام الوحدات والمناهج والأنماط والتقويمات عن معالجة أسباب الإخفاقات المتتالية في إصلاح منظومة التعليم العالي وعن تعثر إصلاح المنظومة التربية والتكوين في شموليتها؟
لكن، ألا يحق للباحث والمهتم والمتتبع والفاعل الجامعي أن يطرح سؤالا عريضا حول مسؤوليات فشل إصلاح منظومة التعليم العالي والهندسة البيداغوجية، استحضارا لحجم الموارد المالية التي تمت تعبئتها واستهلاكها في كل محطة من محطات محاولات الإصلاح أو التسويق لمشاريع الإصلاح التي توقفت في بداية الطريق. وهو سؤال مشروع لتفادي تكرار التجارب الفاشلة، بالأخص بعد وقف تنفيذ مشروع الباكالوريوس اليتيم ومع غياب تقييم حقيقي وموضوعي ومحايد لنظام LMD وإعطاء الانطلاقة لجلسات الإنصات والمشاورة من أجل بلورة المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
مناقشة هذا المقال