بقلم : علي البوخاري
أي تأمل متمعن قليلا ، للأعمال الابداعية للفنانة التشكيلية المغربية ” نجية المرابط ” ، انما يغوص بنا في اكتشاف امكانياتها التشكيلية ، ضمن تجربتها التي عانقت من خلالها ، عوالم اللون والذي جعلته لها مرتعا مستقلا بذاته..، عالم أقامت بين أحضانه كل بلاغة اللغة البصرية ، وجعلت منه أساسا وهدفا ، كوسيلة تعبيرية مجردة ، رامية الى استنطاق كل الدلالات التي بسطت معانيها على مستوى سياق الخطاب التشكيلي المتعدد والمتضمن لمجموعة من القراءات المختلفة التي حواها منجزها في صيغة اسلوبها التعبيري المجرد.
واذ نحن نقتحم تجربة الفنانة التشكيلية ” نجية المرابط ” بهذه القراءة الموجزة ، نرصد اعلان الفنانة نجية عن علاقتها الوطيدة بينها وبين الناظر ، ذاك الناظر الباحث عن التواصل في وبلغة اللون ، باعتبار هذا الاخير اي ” اللون ” هو وسيط بدلالاته التي تشكل نوعا من الحوار الثقافي التشكيلي ، الذي يقود الى التطلع لفكر فلسفي جمالي، متسم بحقيقة الوعي الانساني اللامحدود..
وبحكم ان الفنانة ” نجية المرابط ” تعي جيدا ، ان اللون اصبح عندها عنصرا مهما في تطوير وتكوين الاطار العام للوحة ، فانها في نفس الوقت ، هي مقتنعة بأنه يرضخ لكل تصورات الحياة في عالم كل فنان . فشاءت بذلك ، الا ان تكون هي واللون جسدا واحدا ، تطلق من خلاله اسقاطاتها اللاشعورية ، ذات مساس قوي بميولاتها ورغباتها الدفينة في اعماقها ، لتطلق الخيال متحررة من عقالها ، متخدة الانفجار اللوني في منجزها ، ذو الصبغة الزرقاء المهيمنة على جل فضاء اللوحة ، وذلك بهدف خلق وعي متسع ، تصوغ في قوالبه ، معاني الدلالة السبكولوجية للون ، نحو افق فكر متجدد وبموقف ينغمس ضمن حركة تعبيرية لمحيطها الذي تحياه.
فالانفجار اللوني في شمولية منجزاتها ، والمنفد بتقنية اللطخة العائمة والمعززة بلمسات رديفة ( اللون المميع الشفاف) ، بقيمته وقيمه الضوئية المختلفة ، المعتمدة على اللون الواحد الطاغي، المهيمن على المساحة ( الازرق) ، وبشدرات قليلة مصاحبة ومجاورة له من اللونين ( الابيض والاسود) ، هي في مجملها الوان باردة وسالبة ، مسكنة وهادئة ، خلقت في تكوينها الاجمالي تكتلا ، افضى الى كمية موحدة مترابطة ومتفاوتة من حيث درجة الاشباع لبعضها ، وكذلك درجة التخفيف لبعضها الآخر ، مع ديناميكية وايقاع ثم انفعال بصري ، يتيح الاستقبال الفني المباشر للعمق الجمالي والحسي لكل مفردة على حدة ، من عناصر اللون ، الذي تماهى على بساط اللوحة ، بتضاداته النقية الضعيفة، والتي منحت العمل كذلك طابعا منيزا له ، بكل التصورات البصرية المرتقبة..
وعليه فان الفنانة التشكيلية ” نجية المرابط ” ، انما ارادت في الاخير ، وبجرأتها المعهودة ، اقامة ملحمة جدلية في مضمونها ، طبعت بلغتها المستقلة على المنجز ، أثرا تشكيليا مطلقا وحرا ، غير خاضع الى اي قيود ، مادام التعامل مع وباللون لديها، يظل قمينا بكل تأمل فلسفي ، يتراءى لنا من خلاله ، مستوى الممارسة الفنية ، والتي تبغي من ورائها الفنانة ” نجية ” خلق ثقافة التشكيل والخطاب من منطلق عوالم اللون منفردا ، بغية السفر الى المنطلق الفكري والوجود الذاتي والانتماء الطبيعي .
مناقشة هذا المقال