ادخلوني زنزانة لا تتعدى متر ونصف ،المرحاض عبارة على فوهة في الأرضية تصدر منها رائحة كريهة ، القمل بشتى أنواعه يملأ جدران الزنزانة ،أسمع صياح المعتقلين من ألام التعذيب ، الأنين قريب مني جدا . الزنزانة والقمل والصراصير والرائحة الكريهة ، وصياح المعتقلين من آلام التعذيب ، كان ذالك مقصودا هي محاولة ترهيبي .
بدأت استعد نفسانيا لهذا الإمتحان العسير ، التعذيب وما أدراك ما التعذيب .وبالفعل جاء أحد الزبانية تشمئز جوارحك لرويته من التشوهات البادية على وجهه ، أخذني الى الجلاد المكلف بالمعتقلين السياسيين ،لا زلت أذكر إسم هذا الحقير ، إن كان الخلطي في الرباط ،فهذا الجلاد خلطي أكادير ، أظن بأن المخزن صنع خلطيات في كل المغرب مكلفين بقمع المناضلين الإتحاديين والزج بهم في السجن ،خلطي أكادير ، إسمه عياض ، كان مدكوك البنية ، فاتح اللون ليس بالطويل أو القصير ، إستقبلني بأحر إستقبال ، صفعة قوية على وجهي ( حتى بانوا لي النجوم ،كما يقال بالدارجة) ، ثم بدأ يطرح أسئلة تلو أسئلة بدئا :
الإسم الكامل
تاريخ الإزدياد ، مكان الإزدياد
إسم الأب
إسم الأم …………….وتابع
هل وزعت هذا البلاغ للكونفدرالية الديمقراطية للشغل ؟
هل وزعت بيان المكتب السياسي للاتحاد الإشتراكي ؟
قلت : نعم
قال :ومن كان معك ؟
قلت: كنت لوحدي وإعتقلني رجال القوات المساعدة والشيخ كاسترو وأنا أوزع هذه المناشير لوحدي ، وإستطعت الفرار لهم بعدما قضيت فترة وجيزة في ضيافتهم بمقاطعة أنزا .
قال : وأخوك المعتقل ر. ع ؟
قلت : وما علاقة أخي بإنتمائي وأكثر من ذالك فأبي طردني من منزله منذ سنة 1975 ،فمدة طويلة لا أعرف عن عائلتي شيئا ولا تربطني بهم أية علاقة .
قال: أخوك تم إعتقاله وهو يوزع المناشير ؟
قلت : لاعلم لي بذالك
هذه الأسئلة أكدت لي جيدا بأن أخي لم يعترف بأي أحد وأنه بقي صامدا رغم قساوة التعذيب
وأضاف الجلاد عياض : وبوشارب حسن؟ ،قلت تعرفت عليه بالخيرية الإسلامية عندما كنت أحد نزلائها .
لم تقنعه إجابتي ،فبدأ بالضغط على يدي حديثة الكسر بكل قواه ،وأنا أصيح بكثرة الألم ثم يتوقف
قال : إعترف وأنا سأتوقف.لكنني كنت متشبتا بأنني كنت أوزع لوحدي ..؟
قلت :كيف أرجع لأنزا وأنا ؟
” يا الله هربت من الإعتقال”
ثم صاحبنا الجلاد أو خلطي أكادير بدأ يتفنن في تعذيبي
الفلقة وما أدراك ما الفلقة ،عصا بالقنب مصنوعة لذالك يحملها إثنان من كل جانب ،فتبدأ العصا وما أدراك ماالعصا ، ومن يأبه لصياحك ،
ينادوك بأسماء أخرى ، أو وجدوا لك أسماء أخرى :
أعداء الملك ، أعداء الوطن ، ناكري الجميل…………..
أثناء تعذيبي كان وطني حاضرا معي، كان نبراسي ،كان وطني حاميني ، كأن وطني روض جسمي على الصمود والجلد……
أعادوني الى الزنزانة لا أستطيع المشي وبالكاد أستطيع الزحف . كل مرة كان يطل علي أحد المغاربة الصحراويين منحدرين من مدينة طان طان ،يحاولون تقديم لي يد المساعدة ، على الأقل بكلام جميل ، كانت زنزانتهم مجاورة لزنزانتي ، ومفتوحة طيلة اليوم ،أرضية زنزانتهم مفروشة بزربية ، وكانت لديهم كل أواني إعداد الشاي بما فيها قنينة غاز .
إنه فريق موسيقي ، أتذكر أن معهم مغنية كذالك إسمها هند .
صرحوا لي بأنهم معتقلون منذ 7 أشهر ، ولأنني فضولي سألتهم لماذا أنتم معتقلون طيلة هذه المدة .
قالوا : نحن كذالك مناضلون ونؤدي ثمن مواقفنا وقناعاتنا .
في الحقيقة لم أرد مجاراتهم في هذا النقاش ، خصوصا وأن المكان والزمان لا يسمح بذالك
في الزنزانة لم أعرف الليل من النهار كانك في مغارة ، الإنارة لا تنطفئ . وما تكاد تستريح حتى يأتي احد الزبانية ويأخذك الى الجلاد ، ثم يبدأ معك بنفس الأسئلة ونفس التعذيب ، لكني كنت متمسك بأنني كنت أوزع وحدي ومتمسك بإعتقالي من طرف شيخ أنزا والقوات المساعدة .
بمحضر مطبوخ وتهمة المس بسلامة أمن الدولة ، التحريض على الإضراب توزيع المناشير ،قدموني الى وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية ، الذي أمر بدوره لإحالتي الى سجن إنزكان ، كان ينفذ أوامر أسياده .
كان الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية شوكة في فمهم ، يحاولون التخلص منه بشتى الوسائل الدنيئة بطبيعة الحال ، وبالخصوص بحي أنزا الحي العمالي ، أنزا التي تحوي 20 معملا تقريبا ، كلها مخصصة لتعليب سمك السردين ومشتقاته ، بالإضافة لمعامل لتخزين كل أنواع مشتقات البترول ( شيل ،طوطال ،إفربقيا ، بترومين ) بالإضافة الى أكبر معمل في إفريقيا للأسمنت . انزا التي كان شبابها المناضل شعلة لعدد من الاشكال الإحتجاجية والإضرابات العمالية .
لهذا كان المخزن يعمل جاهدا على إبادة الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ومحوه تماما من وسط ساكنة أنزا ،خصوصا بعد الإضراب البطولي الذي خاضه عمال معمل الأسمنت . كان المخزن يحاول بشتى الوسائل إقباره بالترهيب ، وزرع الرعب والإعتقالات ، والسماح ببيع جميع أنواع المخدرات .لكنهم لم يفلحوا ،لأن أنزا كانت ولادة ، ولادة لخير شباب مناضل .فمنذ إغتيال الشهيد محمد كرينا ، أصبحت غالبية العائلات متعاطفة مع الإتحاد الإشتراكي و أصبحت منازلهم مقرات من خلالها يحاول المناضلون تأطير الشباب والعمال ……….
يتبع
مناقشة هذا المقال