بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين
تجربة متميزة تلك التي أعيشها ككاتب عام لجمعية دعم مركز حماية الطفولة ذكور و إناث بأكادير .
و انا أتابع الأجواء داخل المركزين ،واتابع واقع حال الطفولة بالمدينة خاصة والمغرب عامة تتوالد وتتوالى الاسئلة التي لا تجد لها إجابة في ظل تقلبات المجتمع وتشابك علاقاته.
مراكز للحماية الإجتماعية تحتضن أطفالا هم ضحايا المجتمع ،و الدولة تحاول تصحيح الحيف الذي لحق هؤلاء الأطفال وهم الذين ولجوا عالم الجريمة بشكل متفاوت ،وكان مصيرهم مراكز للحماية بدل السجن بحكم انهم قاصرين.
داخل هذه المراكز كل شيئ متوفر ،و احيانا توفر لهم الدولة مالا توفره بعض الأسر لاولادهم على الاقل من الناحية المادية ،اما الحنان و الأمومة و الأبوة فهي امور لا تعوض وتترك عند هؤلاء الأطفال نقصا يتحول الى سلوك عدائي .
الوزارة تعتمد ممونا يتكلف بالتغذية، زيادة على الإعانات من المؤسسات والاشخاص الذاتيين .و خزائن المراكز مليئة بالملابس جديدها والمستعمل منها ، و الدولة حريصة على ضمان الدراسة والتكوين المهني لهؤلاء النزلاء اقل من ثمانية عشرة سنة .
رغم كل ما توفره هذه المراكز يصر بعض الاطفال على الهرب من اجل معانقة الشارع بكل ما يوفره من مخدرات وانحراف و عصابات الاتجار في البشر بالتسول و الجنس والقمع النفسي ،
طفل عمره إحدا عشر سنة يتم إستقدامه من الشارع وهو يمارس التسول ، تأتي والدته وتخرجه من المركز لتعيده الى منزل الأسرة حيث يعيش مع والديه ، وبعدها بأيام يتم مرة أخرى إعتقاله من طرف الامن وهو يمارس التسول ،ليتبين من التحقيقات أن هذا الطفل هو مصدر عيش الام والاب (!) ،حيث يأتيهم الطفل باكثر من 400 درهم يوميا يحصلها من التسول !!!!!
هناك احكام جاهزة يصدرها الناس إزاء الأطر العاملة بمراكز الحماية الاجتماعية بأنهم السبب في هروب الاطفال من المراكز ،والحال ان شبكات تتاجر بهؤلاء الاطفال وحتى النساء في التسول والدعارة هي من تشجع على هذا السلوك ،وتوجه مع الاسف بعض الأصوات بشبكات التواصل الاجتماعي لتصوير تلك المراكز كجهنم فوق الارض .
لذلك تعج المدن باطفال الشوارع ،و تعج مدارات المدن بالمتسولين من مختلف الأعمار ، ومهما حاولت الدولة معالجة الوضع تقابل مجهوداتها بالتبخيس و التشويه .
مراكز حماية الطفولة يقدر عددها حاليا 20 مؤسسة بطاقة استيعابية تقدر بـ 2075، منها 15 للذكور بما في ذلك ناديين للعمل الاجتماعي، و5 مراكز خاصة بالإناث.
فهل هذه المراكز كافية امام التزايد المهول لاطفال الشارع ؟
آلاف الأطفال يتم التخلي عنهم سنويا لظروف مختلفة، حيث يشير تقرير رئاسة النيابة العامة برسم سنة 2021 (صادر في يناير 2023) إلى أن عدد الأطفال الذين تم العثور عليهم خلال هذه السنة هو 531، ضمنهم 417 من الذكور و 114 من الإناث. ويُضاف هذا العدد إلى 2656 طفلا آخرين تم التخلي عنهم تلقائيا، 830 منهم ذكور فيما يقدر عدد الإناث بـ 1826.
وتعتبر النيابة العامة من بين المؤسسات التي تعنى بحماية الأطفال على اختلاف أوضاعهم، حيث استقبلت خلايا التكفل التابعة لها سنة 2021 ما مجموعه 20945 طفلا، 593 منهم في وضعية صعبة، مسجلة بذلك ارتفاعا مهما مقارنة مع سنة 2020 التي استقبلت فيها 15328 طفلا، بنسبة 37 في المائة.
لقد ابان المغاربة بمناسبة زلزال الأطلس عن قدرة خارقة في التعبئة من اجل مد يد العون لإخوانهم المغاربة ، و اتمنى صادقا ان نتجه جميعا على الاقل بجهة سوس ماسة نحو وضع سياسة شمولية لإعلان سنة 2024 جهة سوس ماسة ،جهة خالية من اطفال الشوارع مع ما يتطلبه ذلك من إحداث لمراكز جديدة وتجويد الخدمات في المراكز القائمة ،وتوفير العنصر البشري المؤهل ،و السعي لجعل هذا التحدي على عاتق شركاء من المجتمع المدني والمؤسسات العمومية وخاصة الاقتصادية منها ، لأننا بذلك نحمي مجتمعنا ،ونحمي الاجيال القادمة .
حلم يراودني أراه قريبا حلم جميع الغيورين على الطفولة والأسرة ببلادنا
فهل تعتبرون ؟
مناقشة هذا المقال