قمنا, أنا والصديق بن بيه, بجولة في عوالم التجارة بمدينة إنزكان. فإذا كانت كل مدينة تتوفر على سوق فإن إنزكان تمتاز بكونها مدينة وسط الأسواق, وكل سوق يشكل عالما خاصا ولذلك فضلت استعمال عوالم بصيغة الجمع.
كانت الوجهة سوق المتلاشيات, المكان المحبوب لدى الفنان التشكيلي الإسباني إسكوبار الذي يجد فيه ما يصنع به لوحاته الجميلة. إنه بالفعل عالم خاص على مستوى التنظيم والمعروضات وطبيعة المرتادين والخدمات المقدمة والروائح والسلوكات. إنه باختصار فوضى “منظمة”.
مباشرة بعد وصولنا إندلع صراع شديد بين شخصين يصعب معرفة سببه وبدأ السب والشتم ومحاولة تفريق المتخاصمين و كان من نتائج هذا الشجار سقوط أمتعة ومعروضات أحد المحلات التجارية ثم سرعان ما توقف الشجار وكأن شيئا لم يقع.
كلما اقتحمنا المكان بدأنا نرى جماعات بشرية متحلقة وبدأت أنغام موسيقية تصل إلى مسامعنا. إنها حلقة الروايس.
أعاد هذا المشهد إلى ذاكرتي المشاهد التي عشتها خلال سنوات 1980-1990 بمكان المحطة الطرقية الحالية وسط المدينة حيث كنا نتابع فقرات فن الحلقة. ويعرف المهتمون بأن هذا الفن أصيل في هذه المدينة وكبار الروايس المعروفين (أهروش و ألبنسير وأمنتاك…) مروا من حلقة إنزكان قبل انتقالهم لساحة جامع الفنا بمراكش. وبعد بناء المحطة إضطر ممارسو فن الحلقة للبحث عن مكان آخر قرب سور سوق الجملة ثم انتقلوا الآن لذاخل سوق المتلاشيات.
إنها ممارسة ثقافية متجذرة تأبى الإنقراض وأتمنى أن يستجيب مسؤولو المدينة لطلب المجتمع المدني بتحويل سوق الجملة القديم (6هكتارات) وسط المدينة لساحة عمومية شبيهة بجامع الفنا ومخصصة لفنون الشارع وخاصة فن الحلقة وعروض الفضاء العام. وسيكون تحقق هذا المطلب تحولا كبيرا ليس فقط لمدينة إنزكان بل للجهة ككل.
مناقشة هذا المقال