ومن اين يأتيها”اي المدن” الماء من غير الجبال..؟
الماء …ثروة الأمازيغ المنهوبة
ها هو الأطلس، كعادته، يكسوه البياض، بياض الثلوج الناصع، المتوسط، الكبير، والصغير، هذه السنة كل الأطلس مثلج، من ميدلت وتيمحضيت (المتوسط )مرورا بأزيلال واوزيغمت وتوبقال ودرن(الكبير ) ووصولا إلى اغرم ايداوكنسوس ثم تافراوت(الصغير )..إننا نتحدث عن مئات الكيلومترات، وآلاف الأمتار ارتفاعا على سطح البحر. …إنها منابع المياه الوحيدة في المغرب، الخزان الكبير الذي يزود كل السهول والسدود التي تشرب منها كل مدن المملكة…وهل توجد المياه في البساط؟ ومن اين يأتيها الماء من غير الجبال..؟
اذا وضعنا خريطة التضاريس أمامنا سنجد أن جميع السدود توجد في المنطقة الجبلية او على أقدام الجبال لكي تجمع فيها مياه الأودية الآتية من المرتفعات، وكذلك نرى ان جميع الأنهار الكبيرة الدائمة الجريان كلها تنبع من قمم الأطلس من نهر ملوية ونهر اللوكوس و سبو ونهر بوركراك وام الربيع وتانسيفت وسوس ودرعة…هذه التي تسمى الأحواض المائية، كلها تنبع من جبال الأطلس…وحسب إحصائيات مديرية إعداد التراب الوطني في سنة 2004، فإن مجموع حصيلة هذه الموارد المائية السطحية وصل إلى 11037 مليون متر مكعب، دون احتساب المياه الجوفية. ..
في دوار ايت احيا بقبيلة ايداومحمود يمر وادي ايروهالن من وسطه، وتسيل منه مياه عدبة صافية صفاء النقرة…ويمر على دواوير عديدة…وكلها لم تزود منازلها بالماء الصالح للشرب،..وحين سألت عن مصب هذا الوادي، أجابوا أنه يصب في سد عبدالمومن. ..وفي كل صباح تسيقظ فيه ساكنة مدينة أكادير واحوازها بحركة خفيفة جدا، وسط ” بيوت الماء” تسيل المياه من الصنبور بتدفق وسرعة…اما مسابيح فيلات حي اليغ وفونتي وحي اغروض …فلابد من تجديد مياهها كل وقت وحين كما هو الشأن في سقي حدائق الفيلات…فهل يعرف هؤلاء أين تأتي هذه المياه؟ فهل يعلمون أن ذلك الماء ينبع من تحت أقدام أناس محرومون حتى من الشرب منه، وتذوقه ان كان للماء مذاق، هل يعرفون ان ذلك الماء الذي يعطي لهم الحياة، تعتصره المعاناة والألم والعذاب من عروق سكان القمم، الذي تسببه الثلوج التي لم تسلم منها حتى منازلهم …
مياه أزيلال تشربها مراكش والحوز ، ومياه خنيفرة تشربها دكالة ومياه الماس تشرب منها الرباط….ومياه توبقال تمتصها هوارة ومياه جزولة تباع في طماطم اشتوكة….
اليوم يجب فتح نقاش حقيقي حول الثروة الماءية، وحقوق سكان القمم، لا يعقل أن يكتنز الاقطاعيون الكبار في هوارة “أغنياء الليمون”، ثروة هائلة من الفلاحة، وهم يستغلون مياه سد المختار السوسي الذي يقع في ناحية اولوز، وتجتمع فيها كل المياه القادمة من توبقال وتيفنوت واسكاون وتاويالت واكيدي، اي قمم ادرار ن درن، هذه المياه الجوفية والسطحية كلها ناتجة عن الثلوج…لا يعقل ان تتسبب هذه الثلوج في إغناء القلة القليلة من كبار الاقطاع ويكتنزون الثروات ويبنون القصور وتعذب الأغلبية الساحقة من السكان ذوي الحقوق في الثروة الماءية التي تسكن في مساكن الطين والقصب، وتعاني الحصار مدة ستة شهور من كل سنة…وجميع هذه المناطق الجبلية محرومة من فرص التنمية والتعليم والتطبيب والطرق والتشغيل…أصبحت مناطقها مواطن الفقر والبرد والعزلة وكل أشكال الإقصاء. ..
وقس على ذلك جميع مناطق المغرب، فجميع الأراضي السهلية الفلاحية، فهي تسقى بمياه الجبال، ولكن يلاحظ تفاوت خطير في مستويات التنمية والتطور في البنيات وتحسين الخدمات بين المجالين، فعوض ان يتم الاهتمام بالمناطق الجبلية والخلفية فإن جميع فرص الحياة وشروطها يتم برمجتها في السهول والمدن، ويتم إقصاء الجبال بشكل مقصود بذريعة إرتفاع التكلفة،..وهل تكلفة المياه والمعادن والخشب التي تأتي من الجبل…هل هي رخيصة…
جبال الزات اليوم محاصرة بالثلوج، وساكنتها مهددة بالجوع وفقدان المؤونة، ولكن كبار الإقطاع وأصحاب الأراضي في الحوز، يبتسمون وسعداء، يمضون امسياتهم داخل قصورهم وفيلاتهم بضواحي مراكش، ويسخنون عظامهم بالنبيذ الاحمر وهم يشاهدون روبورتاجات اخبارية حول توزيع اغطية وزيت الرومي على سكان الاطلس الكبير….وهم يترقبون موسم سترتفع فيها أسهم فلاحتهم …وينتظرون أيام الشمس لاستقبال مياه ثلوج الزات، أما الذين يبيعون الماء فإن من يزور منطقة اولماس ويرى العدد الهاءل من الشاحنات التي تشحن بالماء يوميا تخرج من قرية الوماس فلا يستغرب وجود مالكة شركة استغلال الماء المعدني لهذه القرية على رأس الباطرونا المغربية…برجوازية الماء…على شكل أمراء واغنياء البترول في الخليج….لتر ونصف من الماء بستة دراهم ولتر واحد ديال المازوط ب 8 دراهم…في محطات الاستراحة على الطريق السيار يتساوى ثمن الماء مع ثمن الوقود..
المغرب بلد فقير. …
ع. بوشطارت