الامازيغية الآن ملف للمنافسة بين المغرب والجزائر
الامازيغية : الجزائر وحكومة العثماني
قبل تعيين السيد العثماني لتشكيل الحكومة المغربية بأيام قليلة، خرج تقرير ديبلوماسي سري كان قد كتبه السفير المغربي السابق بالجزائر ع.بلقزيز، وهو تقرير سري عن زيارة رسمية سابقة قام بها العثماني سعدالدين إلى الجزائر حين كان وزيرا في الخارجية والتعاون يوم 21 يناير 2012، هذا التقرير أرسله السفير إلى المستشار الفاسي الفهري، يضم كل ما قام به العثماني في الجزائر وكل ما قيل في اجتماعاته الوزارية مع نظراءه الجزاءريين، وقام بتسريبه مؤخرا المدون المشهور باسم “كريس كولمان”. ما يهمنا في هذا التقرير، ما ورد فيه بخصوص الامازيغية، حيث كتب السفير المغربي، ان وزير الداخلية الجزائري أسر للعثماني عن امتعاض الدولة الجزائرية من ترسيم اللغة الامازيغية في الدستور المغربي كلغة رسمية، حيث أكد ان الجزائر لا تطمح نهائيا في ترسيمها، وأقصى ما يمكن ان تقوم به في هذا الشأن هو جعلها لغة وطنية…واشار الوزير الجزائري الى ان هذا القرار يقلق كثيرا الجزائر ويتسبب لها في حرج كبير. ما الذي نفهمه من هذا الكلام؟ نفهم منه ان القضية الامازيغية تعتبر قضية استراتيجية مهمة بين المغرب والجزائر. صحيح ان قضية الصحراء تشكل القضية الكبرى التي يختلف بشأنها البلدين، وتسببت في الكثير من الصراعات والحزازات. ولكن الامازيغية أيضا تشكل ملفا حارقا بين المغرب والجزائر والفرق بين الامازيغية والصحراء هو ان الأخيرة يتم الحديث بشأنها إعلاميا وتم تدويلها والأولى يتم مواجهتها بالصمت المتبادل، ولكن كل بلد يراقب التحرك الأمازيغي في البلد المجاور. بالرغم من ان المغرب يتلجأ إلى حركة الاستقلال الذاتي للقبايل حين تتمادى الجزائر في استغلال قضية الصحراء، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان،(أنظر تصريح السفير المغربي لذى الأمم المتحدة حول اضطهاد الجزائر للحقوق اللغوية والثقافية في منطقة القبايل ). واذا نظرنا إلى التاريخ نرى ان الحراك الأمازيغي في الجزائر يعطي دائما الصدى والتأثير في مسار الحراك الأمازيغي بالمغرب، وليس من الصدفة أن تبدأ الجامعة الصيفية أنشطتها في المغرب بعد أحداث الربيع الأمازيغي بتيزي وزو سنة 1980، وهي المرحلة التي بدأ فيها محمد شفيق مدير المدرسة المولوية تأليف المعجم الأمازيغي العربي..وقس على ذلك أحداث أخرى أهمها صدور ظهير المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية بالمغرب يوم 17 أكتوبر 2001، شهورا فقط بعد انطلاق شرارة الربيع الأسود تافسوت تابركانت بعد اغتيال الدرك الجزائري للشاب ماسينيسا كرماح 20 أبريل 2001، وبداية الانتفاضات الشعبية في القبائل قتلت فيها الجزائر ما يناهز 121 شهيد أمازيغي، وقادت الانتفاضات تنسيقية العروش التي كانت في حينها أقوى تنتظيم جماهيري أمازيغي واجهة دولة العسكر في الجزائر. بحكم عدة عوامل، استطاع النظام المغربي، ان يستوعب المطالب اللغوية والثقافية الامازيغية، بتاسيسه للمعهد وإدخال الامازيغية في التعليم وتبني الكتابة بالخط تيفناغ وتأسيس القناة التلفزية الامازيغية، وترسيمها كلغة رسمية في الدستور، بالرغم ما يقال عن هذه المكتسبات، وكون الامازيغية تستحق أنصاف تاريخي شامل، الا ان هذه المكتسبات تزعج كثيرا النظام الجزائري الذي مازال يتجبر ويتصلب في الاستجابة والتعامل مع الامازيغية بديموقراطية منصفة، وأكبر نموذج هو تدخله السافر والعنيف في منطقة المزاب واعتقاله لمناضلين امازيغ والزج بهم في السجون بدون محاكمة ومنهم الدكتور فخار… الجزائر وهي تنظر إلى رسمية الامازيغية في الدستور المغربي، بانزعاج وقلق بالغين، فإنها لم تبق هادئة البال في موقع المتفرج، وتسمع المسؤولين المغاربة يتحدثون في الأمم المتحدة عن الميز العنصري في منطقة القبائل بالجزاءر… وفي هذا السياق من حقنا ان نتساءل عن حيثيات اغتيال الشهيد عمر خالق ازم بجامعة مراكش من طرف ميليشيات محسوبة على ما يسمى بالطلبة الصحراويين، وهم المحسوبين على التيار الانفصالي، وبعد ذلك يلقي الراحل عبدالعزيز المراكشي رئيس البوليساريو خطابا غير مسبوقا يذكر فيه الامازيغ وينشد فيه ودهم ويعتبرهم إخوانا للصحراويين وامتدادا لهم…هل اغتيال الشهيد عمر خالق المنتمي إلى الجنوب الشرقي له علاقة بالجزائر على اعتبار ان الطلبة الانفصاليين لهم علاقة بالجمهورية الصحراوية،؟ وهل له علاقة مباشرة بالمخابرات الجزائرية؟ كيفما كان الجواب فإن اغتيال الشهيد ازم يتجاوز بكثير أسوار جامعة القاضي عياض بمراكش..والمتورطون في جريمة الاغتيال جاءوا من بعيد ولا بد من معرفة أسرار التحقيقات لتكتمل الحقيقية… على اي، ماذا سيربح المغرب من تعيين رئيس حكومة من الإخوان ولكنه أمازيغي مدافع عن الأمازيغية…بالتأكيد سيربح الكثير…داخليا واقليميا ودوليا..فإذا كان الإخوان المسلمين يتواجدون في أنحاء المعمور وبالأخص في دول العالم الاسلامي حيث يزحفون على الحكم ويتربعون على عرش الحكومات بعد ثورات 2011 وقد تحولوا فعلا إلى أنظمة استبدادية شمولية كما يجري حاليا في تركيا. فإن الامازيغية لا توجد الا في دول شمال افريقيا، وتحديدا بشكل أكبر في المغرب والجزائر وليبيا ودول الصحراء الكبرى…فالمغرب والجزائر كانظمة سياسية يستمدان مشروعيتهما من العروبة والإسلام وحتى الاطياف السياسية التي تحوم حولهما متشبعة من فكر القومية العربية منذ تأسيس ما يسمى بالحركة الوطنية بالبلدين…هذا الفكر والنموذج سبب إقصاء كبير وميز خطير للامازيغ والامازيغية…واليوم بعد أحداث كثيرة وتحولات عميقة في بنية المجتمعات والوعي السياسي وصعود نخب فكرية وثقافية شديدة الارتباط بهويتها وثقافتها الأصلية …اضحى من اللزوم مواكبة هذا التغير على رأس هرم السلطة بالمغرب والجزائر. .وأصبحت الامازيغية مجالا للمنافسة في الانفتاح واحترام المعاهدات الدولية في محاربة كل اشكال التمييز العرقي .. تابعنا كما تابع الجميع، كيف استقبل العثماني الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، السيد الياس العماري آمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، وزعيم المعارضة، استقبله بكلمة ترحيبية امازيغية، مانزاكين…ورد الياس العماري بمثلها مانزاكين، وهو أمازيغي ايضا ينتمي إلى منطقة الريف، وكان عضوا بالمجلس الإداري للمعهد الملكي الأمازيغي، وكان قريبا من الحركة الأمازيغي بل ومشاركا في بعض محطاتها ( بيان شفيق… )..إشارة أخرى من إدريس لشكر أمازيغي هو أيضا الذي ذكر أنه تحدث مع العثماني بالامازيغية (الشلحة ) في حديثه مع العثماني، أما حديث هذا الأخير مع إبن بلدته الأمازيغي عزيز أخنوش رئيس حزب الأحرار ..فقد ظهر أنهم عرجوا الكلام على الامازيغية والامازيغ…. الترحيب بكلمة مانزاكين …وعناق بالطريقة الامازيغية وإبراز الحديث بالامازيغية بين الزعماء السياسيين، لا يمكن اعتباره بالبث والمطلق، إشارات عابرة، أو سلوكات عفوية لتفادي الخجل أمام الكاميرات ووساءل الإعلام، وإنما ميساج سياسي كبير عابر للقارات، رسالة سياسية قوية ذات إشارات مبطنة، تحمل خطاب منبه يلمح إلى وجود تغير ما. وهو ما يستشف أيضا من التصريح الأول للعثماني بالامازيغية بعد التعيين الملكي. اول رءيس مكلف بتشكيل الحكومة يعطي تصريحا رسميا بالامازيغي في تاريخ المغرب. لا تقولوا ان هذا حدث عادي، إنه تغيير، سبقه التصريح بالامازيغية في البرلمان من قبل نواب ومستشارين، وحتى إلياس العماري تعمد الحديث بالامازيغية داخل الغرفة الثانية بالامازيغية في لقاء نظمه فريق حزبه حول القانون التنظيمي للامازيغية، وهذه فرشة تطبيعية مع الامازيغية داخل المؤسسات تمهد لما هو قادم. صفوة الكلام، المخزن يريد ان يحكم مع الأمازيغ، نقول، اشراكهم في الحكم، بعدما انتقل الخطاب الامازيغي من الكلام عن الثقافي الى البحث عن سبل التنظيم السياسي، ناهيك عن ظهور خطاب جديد داخل بعض الجهات الامازيغية الكبرى. كذلك من شأنه التخفيف من الاقصاء الذي حصل لعقود حين كانت النخب الفاسية والرباطية ذات الاصل الموريسكي تستحوذ على كل شيء. وهل ستتحقق المصالحة مع افريقيا في ظل استمرار اقصاء الامازيغية.
القضية الامازيغية اليوم تجاوزت الحدود القطرية لدول شمال افريقيا وأضحت قضية جيوسياسية تحوم عليها رهانات كبرى وتتحرك على رقعة استراتيجية مهمة تراقبها دول عظمى في العالم وداخل المنتظم الدولي.
ع.بوشطارت.