يقول الفيلسوف والأديب الامازيغي العالمي، ابراهيم الكوني: المكان ليس الذي نسكنه بقدرما المكان هو الذي يسكننا. ” هي المقولة التي تنطبق بالتمام والكمال على ميرلفت، هي القرية التي تدخل إلى قلوب كل الذين يزورونها وتسكن في داخلهم إلى الأبد. ربما هي المكان الوحيد في العالم الذي يتمنى السائح سواء كان مغربيا او جاء من الخارج، وهو يهم بمغادرة القرية معاودة زيارتها في فرصة مقبلة، يخرج منها ويقول لابد أن أعود إليك يا ميرلفت.
فما الذي يسحر قلوب الناس في ميرلفت؟ هل هو البحر والرمال والشواطئ والهواء أم هو طبيعة المناخ والضباب.. طبعا توجد كل هذه الأشياء الجميلة في امكنة متعددة على طول خريطة السواحل المغربية.. توجد أشياء أخرى تتكامل مع المناخ والبحر وهي طقس المجتمع وثقافته وحضارته، لذلك فايقاع مجتمع ميرلفت هو إيقاع مضبوط ومتوازن بنواميس ثقافية. الهواء والبحر يجتذبان السائح ولكن الثقافة التي تؤطر السلوك هي التي تسحر السائح وتجعله يذوب وينبهر بسحرية المكان.
هكذا نجح مجتمع ميرلفت الصغير في الحفاظ على أصالته الأمازيغية في اللغة والثقافة والتعامل والقيم، بل تألق في صقل هذه المنظومات المتكاملة في عملية تثاقف كونية وعالمية في غاية الخلق الحضاري والانسجام الثقافي بوثيرة استعابية لا اندماجية التي تسعى إليها الدولة بغطرسة شديدة عبر آليات التعريب والتعرية الثقافية الخطيرة. انسلت ميرلفت إلى حدود الآن من هذه الماكينة الرهيبة التي تطحن الخصوصيات المحلية، ونجت منها بحكم نباهة سكانها الذين يعرفون نعمة التعددية الثقافية وخبروا التعايش بمقاس المعيش ونسجوا بانفسهم تجارب التمازج الحضاري بين الشعوب والاديان واللغات، الحياة اليومية في ميرلفت كلها دروس بليغة في العيش المشترك، حاليا يقطن بها مغاربة من شتى الجهات من الشمال إلى الصحراء، كما يقطن بها أناس وعائلات من مختلف أنحاء العالم. تجلس في مقهى وسط ميرلفت بالرغم من صغر مساحتها كقرية صغيرة فوق صخرة على البحر، وتسمع كل الألسن، تامزيغت، الدارجة الإسبانية الفرنسية الإنكليزية الألمانية…. فهولاء ليسوا اجانب في ميرلفت، وإنما سكان قاطنون فمصطلح الأجنبي غير وارد هنا، اغلبهم يتكلم الأمازيغية وينصهر مع ايقاعات المعيش المحلي في احترام تام للخصوصية المحلية.
مؤخرا أصبحت ميرلفت قبلة مفضلة لعدد كبير من المغاربة الذين يختارون قضاء عطلتهم الصيفية بها، وساكنة ميرلفت يرحبون بكل ضيوفهم الكرام لما لذلك من فرص الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة التي تعيش وضعا تنمويا واجتماعيا مقلقا طيلة السنة. وموازاة ذلك لابد من التذكير ببعض الملاحظات التي يجدر اخذها بعين الاعتبار لدى الوافدون الصيفيون:
_ ميرلفت لها خصوصية ثقافية وهي من بين أنفس ممتلكاتها فيجب احترامها، ولا يجب التعامل معها بأي نوع من الازدراء والتعجرف، خصال اهل ميرلفت في الترحيب وطيبوبة الاستقبال جزء من القيم النبيلة التي تتنفس بها رئة ميرلفت، فيجب التعامل معها بالمثل.
_ لوحظ مؤخرا أثناء كل فصل صيف الاعتداء على المنظومة الايكولوجية بالمنطقة، لدى يجب على مرتادي الشواطئ وفضاءات الاستحمام احترام تام للبيئة ونظافة القرية، فلا معنى أن يملأ المرء بطنه وبطون ابنائه بالبطيخ ويترك قشوره وبقايا طعامه مرمي على رمال الشاطئ أو تحت صخوره، فهذا فعل مقزز وشنيع، كما توضح الصورة المرفقة للمنشور هجوم السيارات على الواحة، تارگا، وتحويل حقولها إلى موقف السيارات، في المقابل يمكن ترك السيارة في موقفها والترجل مشيا إلى الشاطئ… كما أن استعمال السيارة للتحرك في قرية صغيرة عمل غير مجد وليس له معنى.
_ ميرلفت على شاكلة كل مدن الجنوب تعاني من مشكل كبير يتمثل في النقص الحاد من الماء الصالح للشرب، وبالتالي يتعين على الجميع الساكنة والزوار الاستغلال الرشيد والمعقلن للماء لضمان استمرارية تدفق المياه إلى القرية….
فمرحبا بالجميع…
مناقشة هذا المقال