على بعد شهر من انعقاد المؤتمر الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يصبح التفكير في مهام المرحلة القادمة مطلوبا، ليس فقط لجهة تحديد ما يهدف الاتحاد الاشتراكي لتحقيقه سياسيا بين محطتي مؤتمرين، ولكن كذلك، وهذا الأهم لأن تحديد مهام المرحلة يصبح بوصلة لنقاش القضايا التنظيمية والبرنامجية. فالحزب اليوم لا يجب أن يعتبر الأشكال والهياكل والقوانين الداخلية من المقدسات التي لا تقبل مسا، بل يجب أن تكون كلها تخدم المهام المطلوب إنجازها، ولذلك فإن أولوية نقاش مهام المرحلة يجب أن تحظى بحقها في النقاش، عوض الإغراق في نقاشات ذات طبيعة تنظيمية صرفة، لكنها معزولة عن نقاش مهام التنظيم الحزبي في علاقتها بما يقع في المشهد السياسي وطنيا وإقليميا ودوليا.
إن الاتحاد الاشتراكي يوجد اليوم في المعارضة البرلمانية، وهي معارضة لحكومة لا تشبه الحكومات السابقة، ويمكن أن نعدد بعض مظاهر ما تتميز به:
1ـ حكومة بعدد أقل من الأحزاب لا يتجاوز الثلاثة، ولكن بأغلبية برلمانية مهيمنة في مجلسي النواب والبرلمان، بحيث لم تحظ أي حكومة سابقة بهذا الفرق العددي بين نواب ومستشاري أحزاب أغلبيتها ونواب ومستشاري المعارضة.
2ـ حكومة تتوفر على ائتلاف حزبي أغلبي داعم يرأس كل مجالس الجهات، وأغلب مجالس العمالات والأقاليم والجماعات، وخصوصا في المدن الكبيرة والمتوسطة، كما يرأس أغلب مجالس الغرف، مما يسهل له تنزيلا سلسا للبرامج الحكومية على مستوى الجماعات الترابية.
وإذا كان هذان الأمران قد يضمنان استمرار هذه الهيمنة في الانتخابات اللاحقة، باعتبار أن الوجود بهذا الشكل الهيمني في جل المجالس المنتخبة، سيمنح لهذا الائتلاف الحزبي الاحتكاك اليومي مع المواطنين بما لن يتوفر مثله لباقي الأحزاب التي توجد بالمعارضة، فإن ثمة نواقص في هذه الأغلبية ستحد من تحقيقها لما تصبو له، وستشكل ما يشبه الكوابح أمامها:
1ـ هيمنة التكنوقراط الذين لا تجمعهم أي صلات تنظيمية أو سياسية بالأحزاب التي تم استوزارهم باسمها، وهؤلاء قد أبانوا عن ضعف في الجانب التواصلي والخطابي، بل كذلك حتى في فهم آليات اشتغال الإدارة المغربية وأعرافها، فضلا عن ابتعادهم البارز عن فهم المجتمع المغربي وكيفيات إنتاجه للمعنى والعلاقات والمقاومات.
2ـ التناقض بين التصريح الحكومي وتقرير النموذج التنموي الجديد الذي تقول الحكومة إنه يمثل مرجعيتها المعيارية من جهة، وبين قانون المالية الجديد ومجمل القرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا من جهة أخرى، والتي لا علاقة لها بأفق الدولة الاجتماعية الذي تتحدث عنه الحكومة.
3ـ التناقض من جهة أخرى بين دعوى أفق الدولة الاجتماعية، وبين واقع أن هذه الأغلبية الحكومية، لا على مستوى ممثليها في الحكومة، أو ممثليها في البرلمان، تعكس أن الطبقة الاجتماعية التي تعبر عنها هذه الحكومة، هي الطبقة التي تعيش ثراء تختلف نسبه، وبالتالي فالطبيعي أن تكون حكومة في خدمة عالم المال والأعمال، وللأسف حتى عالم المال والأعمال هذه تغلب عليه ثقافة ريعية متجذرة.
وانطلاقا من هذا التشخيص المختزل، يمكن أن نقول إن مهام الاتحاد الاشتراكي في هذه المرحلة تتمثل فيما يلي:
أولا: كشف تهافت ادعاء الحكومة تبنيها للدولة الاجتماعية، فنحن نعرف أن مفهوم الدولة الاجتماعية عاد للواجهة عالميا، بعد أن كان الجميع بدأ يترقب المزيد من قضم صلاحيات الدولة لصالح القطاع الخاص، لكن ما كشفته أزمة كورونا صحح الاتجاه، وجعل كثيرين يعتبرون أن تقوية الدولة أصبح رهانا أساسيا، وقد كانت الخطب الملكية واضحة في التقاطها لهذا المعطى، وللأمانة فالإشارات الملكية كانت قبل ذلك، حين التقطت المؤسسة الملكية الإشارات التي حملتها مجموعة من الاحتجاجات التي كانت محمولة على الخصاص الاجتماعي، مما جعل جلالة الملك يتحدث عن ضرورة اجتراح نموذج تنموي جديد يكون من مهامه تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، ثم توجيهاته بخصوص تعميم التغطية الاجتماعية وأولوية القطاعات الاجتماعية.
لكن للأسف، فإن الأغلبية الحكومية ومن خلال قانون المالية ومن خلال قرارات كثيرة بينت أنها تفكر في مصلحة الأكثر ثراء، أكثر من مصلحة من يعيشون الخصاص الاجتماعي، وأنها غير جدية في التأسيس لممكنات الدولة الاجتماعية
ولقد رفع الحزب هدف الدولة الاجتماعية في برنامجه الانتخابي، وهذا عاد، لأن هوية الحزب الديمقراطية الاجتماعية لا يمكن إلا أن تجعله مدافعا عن هذا الخيار، ولذلك كان الحزب من المدافعين عن مخرجات عمل لجنة النموذج التنموي، لأن ما خلصت له في خطوطه العريضة يعكس ما كان الحزب ينادي به منذ تشكيله.
ولذلك، يصبح من مهام الحزب الدفاع عن خيار الدولة الاجتماعية، وفضح كل القرارات والقوانين والإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة في تعارض مع هذا الأفق، والترافع البرلماني والحقوقي والمدني في هذا الاتجاه، والعمل مع باقي الشركاء على تقوية العمل النقابي الذي يجب أن يعود للقيام بأدواره في الدفاع عن مصالح العمال وعموم الأجراء.
2ـ استكمال مشروع التناوب الجديد: كان الاتحاد الاشتراكي هو الحزب الوحيد الذي تحدث عن حاجة المغرب لتناوب جديد على تدبير الشأن العام، بعد عشر سنوات من قيادة حزب العدالة والتنمية المحافظ سياسيا للعمل الحكومي، وقد عكست النتائج الانتخابية رغبة المغاربة في تجريب خيارات أخرى.
لكن ترجمة رغبة المغاربة في تجريب خيارات أخرى لم تكتمل، بحيث إن التصريح الحكومي وإذا استثنينا الفقرات التي تتحدث عن الدولة الاجتماعية شكليا، فإنه ظل تصريحا محافظا في خطوطه العريضة، وهو ما سيتضح أكثر في قانون المالية، مما يعني أنه تناوب في الشكل وليس في المضمون، وهذا يجعلنا نقر بأن مهمة إنجاز التناوب الجديد لم تكتمل.
وفي الخلاصة، فإن الاتحاد الاشتراكي يجب أن يطور ويقوي كل إمكاناته الذاتية من أجل أن ينجز مهمة التناوب الجديد، من أجل التنزيل الحقيقي لممكنات الدولة الاجتماعية، وعلى الحزب أن كل واجهاته المدنية والحقوقية والنقابية في هذا الاتجاه، وأن يواكب عمل منتخبيه في الجماعات ومجالس العمالات والأقاليم والجهات، والغرف، وفي مجلسي البرلماني ، بهدف تأهيل الحزب لكي يتصدر الانتخابات المقبلة أو أن يكون رقما مهما في المعادلات الحكومية المقبلة.
وطبعا لا يمكن أن يكون كل هذا، بدون تأهيل الأداة التنظيمية في مستوياتها القيادية والقاعدية من أجل أن تكون حاضرة في تأطير المواطنات والمواطنين ، والاستماع لهم، والاشتغال معهم، خصوصا في المجالات الجغرافية التي تعرف هشاشة اجتماعية متقدمة.
-عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
مناقشة هذا المقال