بقلم أحمد الطالبي
احتفلنا، نحن الأمازيغ، أخلاف سلالة الشمس والرمل والمحيط والجبل، في كل ربوع البلاد بالسنة الجديدة حسب التقويم المعتمد لدينا، ذلك التقويم الذي نحتفي فيه بعلاقة قداسة نسجناها مع أمنا الأرض التي ناداها الأسلاف بالإلهة “كايا”. هكذا صارت هذه المناسبة تجسيدا للمصالحة مع الذات، والهوية التي طالها ما طالها من إقصاء أرعن، ومن تهميش بواح في سياق سياسي أريد فيه للمغرب أن يهجر وجدانه ليذوب في وجدان قبائل ربيعة، ومُضر، وقحطان، وقريش رغم ما بيننا وبينها من مسافات، ومن اختلاف في الثقافات، والألسن، وكذلك في تمثل المعتقد .
وكالعادة، وقبل حلول موعد الإحتفالية الهوياتية بأيام، لابد أن تطفو على السطح خطابات التطرف الديني التي تعادي الهوية الأمازيغية. تلك الهوية التي استطاعت، وبنجاح باهر، أن تستوعب الثقافات الوافدة عليها عبر أزمنة مختلفة، وأكرمتها كما يُكرم الضيف لتعطينا في النهاية هذا المزيج المتنوع والغني …
أصوات نشاز أشبه ما تكون بانفلاتات لاشعور جمعي تقبع فيه كل الصور النمطية، والكليشهات عن الأمازيغي، والتي ما زال يشدها الحنين إلى زمن مسخ هوية المغرب، وجعله ملحقة من ملحقات الشرق دون استيعاب للتحولات الكبرى التي جرت وما زالت تجري، والمتمثلة في وعي الأمازيغ بحتمية سؤالهم الوجودي: من نحن؟ ذلك السؤال الذي لا يعني بالضرورة إنكار الآخر، بقدر ما هو عصف ذهني له، كي يعيد النظر في مسلماته من منظور تاريخي، وانثروبولوجي بدل الإختباء وراء سرديات، وأوهام تعود بنا إلى أزمنة بيع البشر في أسواق النخاسة …
كل خطاب يعتمد آلية النظر الفقهي في تاريخ، وهوية الأمازيغ وعلاقتهم بأرض تامازغا كما كانت تسمى، هو بالضرورة خطاب متهافت يعاني من فقر معرفي مزمن في تخصصات اللسانيات والتاريخ والأنثربولوجيا التي لا محيد عنها لبناء معرفة موضوعية بالإنسان والمجال .. لذلك لا معنى للإفتاء بالحلال والحرام في قضايا الهوية كممارسة ثقافية طاعنة في التاريخ، مع ما تشكله من شاهد على أمة عاشت وما تزال تعيش في مجال جغرافي يمتد من مصر شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، وحتى أعماق الصحراء الكبرى جنوبا، وراكمت العديد من الخبرات عبر الزمن كان من نتاجها ما نراه اليوم من غنى ثقافي ورمزي لا يمكن القفز عليه أو تبخيسه باللجوء إلى المقدس سعيا إلى اجثتاته، وإلا كان ذلك نزوعا إلى الإستبداد الذي لم يعد مقبولا مع المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان …
إن ادعاء النظر الشرعي في نوازل الهوية والثقافة هو تعبير عن جهل أصحابه بشرعهم، لأن الشرع لا يتغيى الحكم على تراكمات التاريخ، أهي حلال أم حرام؟ كما أن ممارسة طقوس الثقافة لا علاقة لها بالشرك والإيمان، وإنما هي إحداثيات للتموقع في حركة التاريخ وترميم الوجدان الذي يعد ترياقا لمواجهة الحياة و ما استعصى من إشكالات الوجود، و إلا تم اختزال الإنسان في بعد واحد ووحيد، وفي ذلك نفي للوجود الذي لا يقوم إلا على الإختلاف، بل وعلى التناقض أحيانا …
ولأن أمازيغ المغرب والعالم، قد انخرطوا في هذه الإحتفالية بكامل الوعي المطلوب، فإن ذلك لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات صونا لهذه الدينامية من كل انزلاق.
يان : الوعي بأن إقحام النظر الفقهي في الإحتفالية من طرف من ليس بمقدوره الإغتراف من حقول العلوم الإنسانية، يطرح أسئلة شائكة في مسألة الولاءات التي ما انفك أصحابها يتحينون الفرص لتسييدها والعودة بنا إلى ما دون الدرجة الصفر في الوعي بالهوية والتاريخ …
سين : الوعي بأن هذه الخطابات مترنحة لأنها تعبير عن حنين إلى استبداد لم يعد له معنى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومع ثورة تحليللات ADN التي ما انفكت تزعزع الكثير من دوغمائيات السرديات القديمة.
كراض : تسجيل سطحية من يتموقع خلف الدين للإساءة إلى أمة أصيلة، بامتداد تاريخي طاعن في القدم، وطمس حقيقة أن الإسلام أدمج بذكاء في بنيته بعض الطقوس التي كانت قريش تمارسها في حجها مثل الإحرام والسعي والطواف …
كوز : نشوة الإحتفاء والإحتفال، لا يجب أن تنسينا تعددية المغرب، بل يجب جعل هذا اليوم يوما للتعايش وتقاسم طقوس الإحتفال مع الجميع، وفي كل الفضاءات حتى لا تنتهي بنا هذه الدينامية إلى سلفية أخرى …
سموس : الإضطلاع بالبحث اللسني للرد على ترهات من يتحدث في اللغة الأمازيغية دون علم بقواعد اشتغالها وبنائها وإعرابها، علما أنها تشترك مع باقي اللغات في بنيتها العميقة.
سضيس : عدم السخرية من كل أشكال الإحتفال التي تنظمها المؤسسات وإن كان الأمر يتطلب نقدها بنضج لكي نرتقي بها …
سا : مواصلة النضال دون المساس بما تتطلبه وحدة المغاربة مع رفض كل نزوع إقصائي من أي كان …
تام: تثمين ذكاء الأمازيغ في تكييف المعتقد مع واقعهم، وأعرافهم مما جنب الدين والهوية الدخول في صدام السعي إلى سحق أحدهما الآخر، وفي ذلك تجل لعبقرية التعاطي مع التراكم الثقافي في أزمنة خلت…
طزا : الوعي بأن مرجعيات الخطاب الديني المتطرف، ليست هي حقيقة الدين، بل هي إنتاج بشري تطلبته حاجات القوى السياسية التي مكنته من الإنتشار. كما أنه ليس بمقدوره نفي أضداده في فهم وتأويل نص الدين قرآنا وسنة وفق ما تقتضيه ضرورات الحياة في مختلف الأزمنة و السياقات…
مراو : مطالبة الدولة بالوفاء بالتزاماتها الدستورية في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ووقف خطاب الكراهية الذي يستهدف رمزيات الأمازيغ والذي يُعد احتقارا للدستور كأسمى قانون في البلاد…
كل أسكاس والمغرب و المغاربة فرحون بما لديهم من هذا الغنى الهوياتي الذي لا شك يعد رأسمالا رمزيا يعزز موقع المغرب قاريا وأمميا بما يفيض به من مخزون جمالي وإنساني منقطع النظير.
مناقشة هذا المقال