مؤسسات النظام القبلي الأمازيغي ودورها في تدبير الموارد الجماعية

يُعد النظام القبلي الأمازيغي من بين أبرز النظم التقليدية التي حافظت لقرون طويلة على توازن المجتمعات المحلية وتماسكها، خاصة في مناطق سوس والأطلس والجنوب الشرقي من المغرب. وقد شكلت مؤسساته قاعدة أساسية لتنظيم الحياة اليومية، من خلال هيكلة متماسكة تشمل مؤسسات التدبير، الاستشارة، والتشريع.
أولًا: مؤسسات التدبير تُعتبر مؤسسة “أمغار” المركز الحيوي في النظام القبلي، حيث يتولى هذا القائد المنتخب تسيير شؤون القبيلة اليومية، تطبيق الأعراف (أزرف)، وحل النزاعات. إلى جانبه نجد “أمغار ن إڭودار” المسؤول عن تدبير المخازن الجماعية (إڭودار)، وهي منشآت حجرية تستعمل لحفظ المحاصيل والمواد الثمينة وتوزيعها بعدالة بين أفراد القبيلة. كما يُشرف “أمغار ن أمان” على تنظيم وتقنين توزيع الماء في المناطق الواحية، وفق نظام صارم مبني على الحصص الزمنية أو الحجمية.
ثانيًا: مؤسسات الاستشارة تلعب فئة “إينفلاس”، وهم شيوخ القبيلة ووجهاؤها، دورًا محوريًا في الحفاظ على التوازن الاجتماعي. يُستشارون في القضايا الحساسة، ويساهمون في الوساطة وحل النزاعات بشكل ودي، مستندين إلى التجربة والحكمة الجماعية.
ثالثًا: مؤسسات التشريع تتجلى السلطة التشريعية في مؤسسة “أجماعة”، وهي هيئة جماعية تضم ممثلين عن فروع القبيلة، تجتمع لصياغة القوانين العرفية واتخاذ القرارات المتعلقة بالشأن العام. وفي القضايا الكبرى، يتم اللجوء إلى “إيت ربعين”، وهو مجلس موسع يتكون غالبًا من أربعين عضوًا يمثلون مختلف مكونات القبيلة، يُعهد إليهم النظر في الأمور المصيرية مثل الحروب، النزاعات الكبرى، أو تعديل الأعراف.
إڭودار وتوزيع الماء: نموذج للتدبير الجماعي المخازن الجماعية (إڭودار) تمثل أحد أبرز رموز التضامن الاقتصادي والاجتماعي، حيث تُقسم داخليًا إلى حجرات مملوكة للعائلات، ويُشرف على استعمالها وفق أعراف محلية دقيقة. أما توزيع الماء، فيخضع لمنظومة دقيقة تحفظ لكل فلاح حقه، مع مراقبة جماعية تضمن العدالة وتحمي المورد من التبذير.
ورغم التغيرات المجتمعية التي مست القبيلة بسبب التمدن والتعليم والقوانين الحديثة، لا تزال هذه المؤسسات تحتفظ بوجود فعلي في بعض المناطق، إما بصيغتها الأصلية أو من خلال أشكال جديدة تدمج بين التقليد والمعاصرة، خصوصًا في مجال تدبير الموارد الطبيعية.
لقد برهنت التجربة القبلية الأمازيغية على قدرة متميزة في إرساء حكامة محلية قائمة على التضامن، المشورة، والاستدامة، وهو ما يجعلها جديرة بالدراسة وإعادة التقدير في سياق البحث عن نماذج تنموية محلية ناجعة.