علي بوطوالة الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
لأول مرة في تاريخ العالم تواجه جميع الشعوب بتأطير دولها عدو مشترك،خطير وغير متوقع،هو فيروس كورونا المستجد. هذا الوباء الذي ينتشر بسرعة هائلة فرض إغلاق الحدود وتوقيف تنقل الأشخاص بين البلدان وداخل كل بلد في تسابق مع الزمن لتطويقه والتخلص منه كما برهنت التجربة الصينية الناجحة ،باتخاذ الدولة الصينية لإجراءات صارمة وغير مسبوقة،لم يتم اللجوء إليها حتى في الحروب.
بعض الدول التي استهانت بالخطر وتهاونت في اتباع نفس الخطوات أصبحت في مأزق حقيقي وعاجزة عن احتواء الجاءحة كإيطاليا وإسبانيا وفرنسا رغم ما تتوفر علية من بنيات صحية متقدمة،لدرجة دفعت عشرات الأطباء الفرنسيين الى رفع دعوى ضد الوزير الاول الفرنسي.
بالنسبة للمغرب المعروف بتواضع وهشاشة منظومته الصحية،وأسباب ذلك معروفة ولم تفتأ القوى التقدمية عن التنديد بها والتحذير من مخاطرها ولكن لا داعي الآن للتفصيل فيها.
بادرت الدولة بحكم معرفتها بالواقع المر إلى نهج سياسة استباقية لا يمكن لأي مواطن غيور على بلاده،بل وعلى كل عاقل إلا تأييدها لتجنب الكارثة أو على الأقل التقليل من نتائجها المحتومة.
الغريب والمؤلم،بل والمخجل أن يلجأ أصحاب العقول المتأخرة والمتحجرة التي لازالت غير قادرة على فهم ما يجري في العالم ولا إلى أين تتجه البشرية في عصر الثورة الرقمية والذكاء الإصطناعي إلى استغلال فرصة رفع أدعياء الوطنية النشيد الوطني في بعض المدن،للتمرد على حالة الطوارىء الصحية وتنظيم تجمهرات ومسيرات بالتكبير والتهليل وكأنهم يعبؤون للجهاد في حرب صليبية! هذا السلوك الغارق في الجهل والتخلف سيجعل المغاربة مسخرة امام أنظار العالم.وعلى كل عاقل وكل ضمير حي أن يتبرأ منه ويندد به ويفضح خلفياته السياسية والإديلوجية المقيتة.
من جهة أخرى لا بد من استحضار بعض الدروس والعبر التي وقف عندها العديد من المفكرين بهذه المناسبة. لقد اعادت هذه الجاءحة الإعتبار للعلم وللقيم الإنسانية الكبرى كالتضامن والتآزر والمساواة في مواجهة المحن،وأعادت الإعتبار للدور المركزي للدولة وخاصة دولة الرعاية الاجتماعية التي حاربتها العولمة الليبرالية حتى اجهزت على معظم إختصاصاتها.
واكدت هذه الجاءحة أن الاستثمار في التعليم والصحة العمومية وبناء الرأسمال البشري هو أهم استثمار على الإطلاق وأكبر مردودية إقتصادية وإجتماعية من أية إستثمارات أخرى.والتجربة الصينية أبرز مثال على ذلك.
في هذا السياق أيضا لايمكن أن ننسى التذكير بجرائم اطراف التحالف الصهيوني الإمبريالي الرجعي في ضرب حصار قاتل على شعوب فلسطين وإيران واليمن وفنزويلا لا لشيء إلا لرفض ومقاومة هذه الشعوب للاستعمال ونهب ثرواتها ومصادرة سيادتها الوطنية.
وعودة إلى بلادنا لايمكن إلا نستحضر معاناة المعتقلين وأسرهم، والعاطلين والمتوقفين عن العمل وذوي الدخل المحدود والمهمشين والمهاجرين الأفارقة. لذلك الجميع مطالب،دولة ومؤسسات واحزاب ونقابات وجمعيات،وكل المواطنين والمواطنات أن يساهم كل من موقعه وحسب طاقته في ربح المعركة ضد هذا الوباء الفتاك،لأنها معركتنا جميعا،ومن أولويات ذلك الإنضباط للتوجيهات الاحترازية والوقائية. وأكيد أن مابعد هذه الجاءحة لن يكون كما قبلها لا على الصعيد العالمي ولا على مستوى بلادنا.
د. علي بوطوالة
الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي
مناقشة هذا المقال