بقلم ذ رشيد متوكل.
تعتبر البرامج السياسية بمستوياتها المختلفة، من الوثائق الأساسية التي وجب على أي تنظيم حزبي حديث، اعدادها وبلورتها بشكل يستجيب للرهانات الحاضر والمستقبل، كما يجب أن تتفاعل بشكل إيجابي مع مختلف الديناميات والتحولات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية…، وأن تستحضر ارث وعبق التاريخ، ومظاهر البيئة والجغرافيا، ودلك في إطار البحث عن الاجابات والحلول الممكنة لمختلف الاشكاليات والاكراهات التي تعيشها المجتمعات والدول التي تسعى إلى إدارتها وتدبير شأنها العام.
*الاقتصاد والحزب بمرجعية أمازيغية… بحث ونقاش في العمق.
لا مفر للبلدان المغاربية من أن تتخذ المغرب الكبير أرضية لبناء سوق مشتركة موسعة للتعامل الإقليمي والدولي، في إطار الاندماج الاقتصادي العالمي عن طريق تبني نمط اقتصاد السوق، والتخلي عن اقتصاد الريع، مما يستدعي الضغط على اللوبيات الاقتصادية المتحكمة في الاقتصاد، بهدف التقليل من نفوذها الكبير على المدى المتوسط والبعيد، حيث يستحيل حاليا إنهاء سيطرتها وهيمنتها، لارتباطها بشكل كبير بشبكات قوية، متنفذة ومتنوعة من جهة، وعلاقاتها بشبكة شركات إحتكار الاقتصاد العالمي من جهة أخرى.
يواجه الاندماج الاقتصادي المغاربي حاليا حواجز كبيرة من عدم الثقة، وانعكاس الوظائف السياسية لذى بعض حكومات وأنظمة الدول المغاربية؛ وفي المقابل نجد أن النخب التقدمية الحداثية بمجتمعات شمال إفريقيا، وفي مقدمتها الحركة الأمازيغية، ترى أن الاندماج والتكامل الاقتصادي مصيري وضرورة ملحة.
تشكل المشاكل الحدودية ومخلفات فترة الاستعمار الفرنسي والاسباني بشمال أفريقيا عائقا كبيرا أمام فتح مجالات العمل المشترك، من خلال السوق المغاربية المشتركة، حيث نجد في مقدمة هذا الإرث الاستعماري الكبير، ملف قضية الصحراء المغربية الذي يحول دون هذا التكامل والاندماج الاقتصادي المغاربي.
تعتبر مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية في إطار السيادة المغربية، نقطة انعطاف مهمة في مسار الحل النهائي، حيث ينسجم هذا المقترح بشكل كبير مع أدبيات الحركة الأمازيغية بالمغرب وبشمال إفريقيا، كما يستجيب للأهداف الاستراتيجية ولمقررات الامم المتحدة ذات الصلة، في أفق الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل.
وعلى هذا الأساس كانت الحركة الأمازيغية بالمغرب سباقة منذ عقود في طرحها للنماذج ونظم الحكم الجهوي والفدرالي، حيث تطالب ولا تزال بالتخلص من التدبير والحكم المركزي التقليدي، ودلك من خلال توسيع فضاء الحريات العامة، حقوق الإنسان والديمقراطية التمثيلية. مما سيساعد بشكل كبير على حل مشاكل الفقر، الهشاشة، التفاوت الطبقي، غياب التوازنات الاقتصادية، التنموية والمجالية.
إن الرهان الحقيقي بالنسبة للدول المغاربية يبقى مفتوحا من أجل بناء ديمقراطية مغاربية على أساس النظام الجهوي أو الفدرالي، والاستفادة من عصارة الفكر المعرفي البشري لمفهــــوم الدولة الديمقراطية، وخصوصا ما أنتجته السياقات السياسية الغربية، قبل التفكير في الاندماج المغاربي.
إن المشاكل الأساسية التي تعاني منها الدول المغاربية المعاصرة هي، التذبذب بين النظام الاشتراكي الذي تأثر بفعل القومية العربية، ونظام الراسمالية، النيو-الليبرالية الجديدة والتصورات المذهبية لحركات الاسلام السياسي.
ففي البلدان الغربية يتم تطبيق الليبرالية الاقتصادية من خلال بيانات المعرفة العلمية السياسية بما يحترم المبادرات الفردية، وتساهم مؤسسات الدولة في هذا الإتجاه بشكل إيجابي على مستوى دورة النشاط الاقتصادي، في انسجام تام واقعي مع النظريات العلمية الاقتصادية الحديثة.
أما في البلدان المغاربية، نجد أن كل الموارد، الثروات الطبيعية المعدنية والانتاج البشري، يقع بين مؤسسات لا تخضع بشكل مباشر للمحاسبة ومراقبة ممثلي الشعب، الذي من المفترض أن يتم انتخابهم من خلال إنتخابات ديمقراطية نزيهة؛ حيث تكرس هذه الحكومات -بلدان شمال إفريقيا- النمط الباتريمونيالي للدولة.
واجهت عملية تطبيق الليبرالية الاقتصادية بالمغرب على سبيل المثال، بنيات وخصوصيات ثقافية واجتماعية مختلفة، من قبيل الإرث، كما تأثرت أيضا بسبب النمط الاقتصادي الكلاسيكي للدولة، نظام الزكاة، الأعشار، سياسة الأوقاف والشؤون الإسلامية، السياسات العمومية والاجتماعية المتباينة… وفي ظل هذه المعطيات والعوامل، فإنه من الصعوبة إعتماد الليبرالية الاقتصادية كما تمت صياغتها في السياق الغربي، مع العلم أن الاقتصاد السياسي في إطار النظريات الاقتصادية التي أسست على يد كبار المفكرين وعلماء الاقتصاد، أمثال باتيست ساي وادم سميث وغيرهم ، هي التي تؤطر النمط الاقتصادي في البلدان المغاربية، بحكم تأثرها المباشر بالغرب جراء التبعية والعولمة…، وأنه لا وجود لنظرية الإقتصاد الإسلامي او التشاركي كما يروجه البعض من منظري، أنصار واتباع تيارات فكر الاسلام السياسي.
وحتى لو آمن البعض بوجود فعل اقتصادي مذهبي اسلامي أو بصفة عامة ديني، فإنه لا يمكن أن تواجه وتقوم مقام منتوج النظريات العلمية الغربية على مستوى الاقتصاد السياسي، وما وصلت اليه دول شرق أوروبا وأمريكا الجنوبية من تطور نموذج الإقتصاد الاشتراكي، رغم أنه سبق للحكومة المغربية أن عاشت تجربة محدودة من نمط الإقتصاد الاشتراكي مع حكومة التناوب.
الواضح أن تأثير البيئة الاقتصادية المالية والخصوصية الثقافية والاجتماعية المحلية هو الذي حد من فعالية نمط الاقتصاد الليبرالي والإشتراكي الذي أطر الشأن العام والتدبير الحكومي المغربي العام على مدى سنوات، ومن البديهي أن يكون لدى الفاعلين السياسيين في إطار الحزب بمرجعية امازيغية، أنماط اقتصادية متنوعة، وقاعدة خيارات وبدائل كبيرة وتجارب مقارنة محلية وخارجية مختلفة، بهدف الاستفادة من أخطاء الماضي وتحديد التموقع الفكري والنظرية الاقتصادية المناسبة لهذا المشروع السياسي الجديد.
*بقلم ذ رشيد متوكل اعلامي وناسط حقوقي وامازيغي .
*تيزنيت بتاريخ 24 نونبر 2023.
مناقشة هذا المقال