بقلم رضوان التجاني.
قرأت الجزء الأول من رباعية “ثورة الأيام الأربعة”
للكاتب الكبير عبد الكريم جويطي و قد شدتني الرواية لأربعة أسباب :
1- قوة الكتابة و الحكي و الاطلاع عند الكاتب و ثقافته الواسعة و البناء المدهش للشخصيات بتكوينها الاجتماعي و النفسي الدقيق و تملكه الكبير للغة ؛
2- اهتمامه بتاريخ المغرب، تاريخ مختلف عن التاريخ الرسمي إنه تاريخ المغاربة و علاقتهم ببعض و بالعائلة و بالقبيلة و بالسلطة و بالأرض و الوطن و الخرافة و اهتمامه بتنوع الثقافات السائدة و التعبيرات الثقافية و تجليات الوعي لدى مختلف الفئات و الشرائح و الأجيال؛
3- تناوله الأدبي و النقدي لتجربة سياسية و اجتماعية في المسار التاريخي للمعارضة اليسارية في المغرب عموما و الحركة الاتحادية خصوصا و هي التي نحتت جزءا من هويتي و نظمت جزءا مهما من حياتي و أفكاري؛
4- ارتباطي العائلي بمنطقة بني ملال و النواحي التي انطلقت منها أحداث الرواية و قريبة من أحداث “الثورة” في مارس 1973. و هي مدينة الكاتب الصديق جويطي و التي أعرفها عن قرب بفعل تعدد أسفاري للمنطقة و إقامتي في بني ملال لبعض الوقت في الثمانينيات من القرن الماضي.
في ارتباط ب”الثورة” التي تشكل أحد أعمدة الرواية، فأظن أن الجويطي اهتم بما غاب أو كان ينقص الثورة و ما لم تع به أو تجاهلته أو أغفلته أو تناسته، أي الواقع المغربي و الإنسان المغربي أكثر من العملية “الثورية” نفسها. فالجزء الأول من الرواية يغطي 24 ساعة من زمن “الثورة” في 383 صفحة يكشف فيها الكاتب البون الشاسع بين الطموحات و الشعارات و بين الواقع المعيش و تعقيدات التغيير و يبين بُعد القيادة “العالمة بكل شيئ” عن الواقع و عن أرض المعركة و يشير إلى أنها تعيد إنتاج التسلط و القرارات الفوقية و كأن التناقض هو مع الماسكين بالسلطة و ليس مع التسلط نفسه.
منذ الصفحات الأولى نتعرف و نلمس التيه الذي يعيشه أحد الكوموندوهات التي من المفترض أن تشعل الثورة. مشاكل في التخطيط و أخطاء في التوقيت و أعطاب كبيرة في التواصل و ضبابية في الأهداف و التاكتيكات الشيئ الذي جعل القلق يطغى بين أعضاء الكومندو و يحضر السؤال إن كانوا ثوارا أم قرابين.
من خلال الرواية نتعمق في مسارات عدد من أعضاء الكومندو، الشخصية و العائلية و أسباب و سياقات التحاقهم ب”الثورة” و نتعرف على منطقة أمازيغية (وادي إيرس) بجغرافيتها و تاريخها و نمط عيش سكانها قبل و بعد الاستقلال و طبائعهم و صراعاتهم و كيف انتقلت السلطة من الفرنسيين إلى المغاربة و صيرورة البنيات التحتية و طرق و أدوات التحكم في السكان. هؤلاء السكان الذين لم تقدر قيادة الكومندو، من التواصل معهم و في ذلك إشارة قوية لنخبوية و عزلة الداعين و الطامحين للثورة ضد النظام باسم المجتمع. كما يقربنا الكاتب بوصف دقيق و مذهل معرفيا و أدبيا، من عدة أشخاص من هذا الوادي، بمواقعهم الاجتماعية و الرمزية : تودا المشرفة على الماخور و حسن الجندي الشاب العاشق و عدي العائد من الهجرة لمقاومة النسيان من خلال معرض/مقبرة الصور.
كل الأوضاع تستدعي التغيير و كل الشخصيات التي تعرفنا عليها لها مصلحة موضوعية في التغيير و لكن الإشكال في التعبير الواقعي عن المعاناة كما هي في المغرب العميق و في كيفية ترجمة المعاناة إلى مشروع مجتمعي بديل و سبل توعية و تعبئة المعنيات و المعنيين بالتغيير حتى يكونوا فاعلين في ثورة تنطلق منهم و تتعاظم بهم وليسوا مفعولا بهم و حطبا لما خطط له بعيدا عنهم.
أكتفي بهذا و أتمنى قراءة ممتعة للجميع
مناقشة هذا المقال