تلقيت زوال يوم الأحد 31 مارس 2019 النبأ المحزن والمؤلم لرحيل المشمول بعفو الله ورضاه، الحاج علي إنجارن، إلى مثواه الأخير عن عمر يناهز 78 سنة.
وبهذه المناسبة الأليمة أعرب لأسرة الفقيد، ولكل أقاربه وذويه، وأصدقائه ومحبيه عن أحر التعازي وخالص عبارات المواساة مقدرا فداحة الرزء في رحيل أحد رجالات تيزنيت الأوفياء، الذين نذروا حياتهم لخدمة مدينتهم ووطنهم بكل صمت وتفان وإخلاص ونكران ذات.
إن هذا المصاب الجلل هو خسارة لمدينة تيزنيت ولإهلها، حيث كانت للفقيد تجربة مهنية وسياسية وإنسانية واسعة ومميزة، حيث انتخب، بجانب تكليفه مهنيا بمهام مصلحية بالنيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، عضوا بالمجلس البلدي لمدينة تيزنيت لفترة 1977 – 1983 ثم انتخب بعدها رئيسا للمجلس الحضري لمدينة تيزنيت خلال الفترة الممتدة ما بين 1983 و 1992 ، وكان كذلك رحمه الله عضوا بالمجلس الإقليمي من سنة 1984 إلى 1992 و شارك كمقرر للجنة في الندوة الوطنية للجماعات المحلية المنظمة خلال فترة 1983 إلى غاية 1992 .
وشارك رحمه الله في ندوات ثقافية وعلمية نظمت بمدينة تيزنيت وخارجها، كما كان فاعلا جمعويا نشيطا بالمدينة من خلال عدة جمعيات ثقافية واجتماعية طيلة عقد الثمانينات.
وقد كان له الفضل – رحمه الله – في قيادة مسار الجماعة الحضرية لمدة 9 سنوات في ظروف صعبة وحساسة بحكمة وتبصر وهدوء. كما أخذ الأمور بجدية وحافظ حينها على توازنات صعبة ودقيقة، من أجل الحفاظ على مكانة تيزنيت ورفعتها.
فكان قدوة لنا في الصبر والثبات والقدرة على التأقلم ومواجهة الصعاب بروية وتعقل. كما أحسن رحمه الله من مختلف مواقعه المهنية والسياسية للكثيرين من أهل تيزنيت في صمت وبدون بهرجة.
إن هذا المصاب الجلل أعاد لذاكرتي لحظات جميلة عشناها مع الفقيد السي علي، فقد كان يكبرنا بست سنوات، وكان معلما عصاميا، كون نفسه بنفسه، وكان شغوفا بالقراءة وحب المعرفة، وكان يدرسنا الرياضيات بالجامع الكبير سنوات 1958-1959 . وكان له الفضل في تحبيب المعرفة لنا ببيداغوجية جميلة ورائعة، وكان له الفضل الكبير في تأجيج الفضول الفكري في أدمغتنا الصغيرة آنذاك . مما سمح لنا بإعداد امتحانات الباكالوريا في ظروف جيدة. والجميل في كل هذا أنه طيلة معرفتي الطويلة به، لم يتغير في سلوكه ولا في محبته الصافية لنا. وظل في أعيننا نموذجا للأستاذ الموسوعي المعرفة والواسع المدارك والمتفتح في تفكيره. ولو أنني أتأسف لعدم إنصاف وزارة التربية الوطنية له ولأمثاله بالقدر الكافي وبالتقدير الضروري، فلم يتم إلحاقه رسميا بسلك التعليم إلا في سنة 1961 .
ولقد كان الأستاذ أحمد إدوخياط محقا – عند إلقاءه كلمة وداع في حق الفقيد إبان مراسيم دفنه بمقبرة تيليلا بعد صلاة عصر يوم الأحد – حين قال “لقد انصرف الحاج علي إنجارن من الدنيا راضيا مرضيا، لأنه نال رضا الله ورضا الجميع”
فقد كان صدره – رحمه الله – خاليا من الأحقاد والضغينة، وكان ودودا لا تفارق البشاشة محياه، حتى في أصعب الظروف وأحلكها. وانصرف من الدنيا تاركا أثرا محمودا وعطاء جميلا يذكر به في الدنيا.
ومهما قيل في حق هذا الشخص الكريم فلن نوفيه حقه بحق. فاللهم اجعله ضيفا مقبولا في واسع رحمتك يا أرحم الراحمين.
وإنني إذ أستحضر بهذه المناسبة المحزنة، هذا الرصيد المهني والسياسي والإنساني، وما كان يتميز به الفقيد في مختلف المهام التي تقلدها بتيزنيت، منذ سبعينات القرن العشرين، من حنكة سياسية ومهنية وخصال إنسانية عالية. نحيي فيه، رحمه الله، وفاءه للمثل العليا، ووطنيته وسمو أخلاقه وغيرته على مدينة تيزنيت. ونرجو من العلي القدير أن يوفي الفقيد الكبير أحسن الجزاء، على ما أسدى من خدمات جليلة، وأن يتقبله في عداد الصالحين من عباده، ويشمله بمغفرته ورضوانه، ويسكنه فسيح جنانه.
وإذ نشاطر أرملته وأبناءه مصطفى وفيصل والزهرة، وجميع أقارب الفقيد وإخوته، وساكنة مدينة تيزنيت أحزانهم في هذا المصاب الأليم، الذي لا راد لقضاء الله فيه، نسأل الله عز وجل أن يلهم أسرته المهنية وأقرباءه وذويه جميل الصبر وحسن العزاء.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عبد اللطيف أعمو
مناقشة هذا المقال